اقتباسات أدهم شرقاوي

كان يعيشُ في الدُّنيا كأنَّه زائرٌ خفيفٌ يعرف أنَّه عمَّا قليلٍ راحلٌ عنها، فكان يتزوَّدُ فيها لآخرته، وينسى أن يأخذ منها لأيامه!

لقد أعرض إعراضاً كاملاً مُزيحاً الدُّنيا من وجه الآخرة!

أنّ النّبيَّ ﷺ نزل يوماً تحت شجرةٍ، فكان عبد الله بن عمر يتعاهدها بالماء حتى لا تيبس!

فما الذي بلغ بك ما قال النّبيُّ ﷺ؟!

‫ فقال: ما هو إلَّا ما رأيت، غير أنِّي لا أجد في نفسي لأحدٍ من المسلمين غشّاً، ولا أحسد أحداً على خيرٍ أعطاه الله إياه!

‫ فقال له عبد الله: هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق!

وأخيراً عرف ذلك السِّرِّ، إنَّه عبادة القلوب لا عبادة الجوارح، عبادة حُبِّ الخير لنَّاس وترك الحسد، ونظر العبد إلى ما أعطاه الله بين يديه، وترك النَّظر إلى ما في أيديِ النَّاس، وترك الغشِّ قولاً وفعلاً!

شخصيَّة العابد، هذه الشخصيِّة التي تجد في العبادة لذَّتها، وقدَّمها على كلِّ لذَّة سواها، إنَّها لا تترك الحرام للحلال فقط، وإنَّما تترك المباح لأجل العبادة،

وقد كان داخل عبد الله بن عمرو محراباً!

ولكن حبَّ العبادة عنده قد طغى على كلِّ شيء!

فإنَّه بالمؤمنين رؤوف رحيم.

‫ فما عُبد الله تعالى بشيءٍ أحبُّ إليه بعد ما افترضه على عباده،

‫ من جبرِ خواطر النَّاس، وقضاءِ حوائجهم،

‫ ﴿وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ﴾

‫ تعامَلْ مع العَلاقاتِ التي انتهَتْ كأنّها قُبور،

‫ والقُبُور لا تُنبَش!

‫ ومنْ صارَ وراء ظهركَ فدَعْه وراءَ ظهرِكَ،

‫ لا تكُنْ أسيرِ ماضيك،

‫ ولا تترُك البابَ مُوَارِباً حتى لا يُغرِيكَ بالرُّجُوع!

‫ المعاركُ التي لا طائلَ منها تستنزِفُكَ، فأدِرْ ظهركَ!

كل صدقةٍ هممتَ بها فوقفَ في وجهكَ الشيطان يوسوسُ لكَ ألّا تفعل،

‫ ضَعْ يدكَ في جيبك وأخرجها فوراً،

‫ متخيلاً النبيَّ ﷺ يقول لكَ: ربحَ البيعُ،

❞ الحرمانُ يقدرُ عليه كلُّ أحدٍ ولكن النُّبلاءَ وحدهم يمنحُون على الدَّوام، والقسوةُ ليست عملاً بطولياً، الِّلينُ هو الذي يحتاجُ إلى شجاعةٍ! ❝

قَال ابنُ القيِّم في كتابه بدائع الفوائد:

‫ ما ضُربَ عبدُ بعقوبةٍ أشدُّ من قسوة القلبِ!

‫ يا صاحبي: يحسبُ العصاة أنَّه إذا سَلِمَ رزقهم فقد سَلِمُوا!

‫ ولعلَّكَ تسمعُ أحدهم يقول: أين العقوبة؟!

‫ فَقُلْ له: وأيُّ عقوبةٍ أقسى ممَّا أنتَ فيه؟!

‫ تمَّرُ بكَ الجنازة فلا تحرِّك فيك شعرة،

‫ وتُتلى عليكَ الآية فتدخل من أُذنٍ وتخرج من أذن،

‫ تفوتك الصلوات فلا تضطَّرب كلُّ خليَّةٍ فيك،

‫ ترى أهل البلاء فلا تراجع نفسك بما أنت فيه من العافية!

‫ أما زلتَ تسأل أين العقوبة وقد صار قلبُك حجراً؟!

وأحسنُ منكَ لم ترَ قطُّ عيني

‫ وأجملُ منكَ لم تلدِ النِّساء

‫ خُلِقتَ مُبرَّأً من كلِّ عيبٍ

‫ كأنَّك قد خُلقت كما تشاءُ!

إنَّ الغاية لا تُبرِّر الوسيلة، نحن أمَّة الأخلاق، وفي ديننا طُهرُ الغاية تحتِّم البحث عن طُهر الوسيلة!

أنَّ الأصيل لا يذمُّ عرضه، ولا يهجو رحِمه،

فأقامه في الثَّغر الذي يجيده!

سيرةُ حسَّان بن ثابتٍ فيها واحدٌ من أبلغ الدُّروس التي علَّمنا إيَّاها هذا الإسلام العظيم، هذا الدَّرس عنوانه العريض: كلُّ واحدٍ على ثغر!

إنَّ الصَّلابة في الدِّين والعقيدة لا تتنافى أبداً مع سماحة النَّفس، على العكس تماماً إنَّهما صفتان إذا اجتمعتا في نفسٍ واحدةٍ زانتها وطيَّبتها، وبلغت بها ذروة الكمال الإنسانيِّ، والكمال لله وحده!