اقتباسات حسن عبد الموجود

راقبتهما أم كلثوم وهما يلملمان أوراقهما، ورأت نفسها تقف أمام جمهور كبير في المسرح، ثم انتبهت على صوت تصفيق حقيقي يدوي في جنبات المسرح، وبعض المهاويس يهتفون بأصوات مشروخة من فرط الحماس: «تاني.. تاني»

أنا امرأة اختارت أن تكون بلا ثمرة. أرض يباب، شجرة يابسة، نهر جاف، امرأة لا تعرف إلا المسارح والموسيقى والحشود

تركت أم كلثوم لصوتها العنان، خرج متدفقًا من منبع النهر، في أعمق أعماقها، منسابًا كأنه صوت سماوي، فأسكر الناس بالبهجة وضاعف إحساسهم بالعيد، بينما أمدَّتها آهاتُهم بطاقةٍ صافية جعلتها تعيد وتزيد بفرح بالغ، ولأن الليلة غير عادية، سرى همس مفاجئ بأن جلالة الملك فاروق جاء ليشاركهم فرحتهم بالعيد وبأم كلثوم، وسرعان ما تحول الهمس إلى كلام وثرثرة، وتململت الصفوف، والتقطت عينا أم كلثوم المدربة ما يجري وفهمت سر الطاولة الضخمة الخالية أمام الصف الأول.

مرَّت سنواتٌ على فراقك المؤلم، لكنك لا تزال حيًّا بيننا، تضيء لنا الدنيا كأنك الكوكب الدريُّ في الأفق، نهتدي بناموسك، ونتلمَّس أثرك ورائحتك.

‫ تمنيت أن تعود لتكمل الأغنية. لتقول للناس بصوتها المبهج الراقص: «أوقاتي بتحلو»، لكنها عادت لتجد الموت في انتظارها.

أمواج بشرية تتلاطم في بحر الحب الصافي.

«الإنسان مُسيَّر لا مُخيَّر مع السِّت!»

قال لها الأستاذ: «الفرنسية لغة الستات!»

يراها أجمل امرأة، وتراه مجرد رجل من عشرات الرجال حولها، يراها حلمًا، وتراه أستاذًا، يراها كوكب الأغنية، وتراه قمر الشعر. حافَظ معظم الوقت على اتِّزانه، لكن العشق الذهبي الذي يملؤه فاض منه أحيانًا، وانسكب على الطريق، فالتقطته الصحافة وكدَّرتها. إنها لا تزال امرأة ريفية أسفل فساتينها الزاهية، امرأة ترفض المساس بأخلاقها حتى لو بقصة حب عذرية.

منذ اللحظة الأولى التي رآها فيها في حديقة الأزبكية، في صيف قديم حار جدًّا، وسمع غناءها حتى مسَّت قلبه، استولت على وجدانه.

وبينما تهتز الحياة أمامها طربًا شعرت أم كلثوم بأنها تُوِّجت ملكة على إحدى سرايات القاهرة، وقريبًا ستُتوَّج ملكة على العاصمة كلها، وتذكرت في هذه اللحظة أستاذها، فهتفت بفرح طفولي: «الأغنية دي بهديها لأستاذي الشيخ أبو العلا!».

وبينما تهتز الحياة أمامها طربًا شعرت أم كلثوم بأنها تُوِّجت ملكة على إحدى سرايات القاهرة، وقريبًا ستُتوَّج ملكة على العاصمة كلها، وتذكرت في هذه اللحظة أستاذها، فهتفت بفرح طفولي: «الأغنية دي بهديها لأستاذي الشيخ أبو العلا!».

وبينما تهتز الحياة أمامها طربًا شعرت أم كلثوم بأنها تُوِّجت ملكة على إحدى سرايات القاهرة، وقريبًا ستُتوَّج ملكة على العاصمة كلها، وتذكرت في هذه اللحظة أستاذها، فهتفت بفرح طفولي: «الأغنية دي بهديها لأستاذي الشيخ أبو العلا!».

❞ خلبتْ أم كلثوم القلوب، وهي تخطو في كرمة ابن هانئ بالجيزة، بفستانها الأسود المطرز بالفضي. بدت كأنما ترتدي قطعة من سماء صافية في ليل تتألق فيه النجوم اللامعة، ووقف صديقها أحمد شوقي بك إلى جوارها مبتسمًا بخيلاء، فقد اكتملت ليلته ❝

«عصافير يحسبن القلوب من الحَبِّ، فما لي بها عصفورة لقطت قلبي»

وبرغم عدم استسلامها أبدًا، إلا أنها الآن تفكر في أنه إنساني جدًّا أن تستسلم ولو لمرة وحيدة. عليها أن تجرِّب الغرق في الحزن أو الاكتئاب، بدون أن يقتلها الذنب. لقد اعتاد الناس عليها مبتسمة، فليسامحوها إذن إن عبست وتولَّت.

❞ الزرع زي البني آدم، لازم تقصِّي شعره عشان يستريَّح ويتنفس ويجدِّد نفسه!» ❝

❞ آه يا كوكب!‏ ❝

❞ أمسكت أم كلثوم بحقيبة مضلَّعة الجلد، وقالت مصطنعة الجدية: «متهيألي أنا عندي جلد ١٠٠ تمساح وجلد ١٠٠ تِعبان!»، وانفجرت في الضحك، فجاوبتها مديحة قائلة وهي تضحك: «دي غابة كاملة وحياتك!». ❝

أم أنه الحب العظيم الذي لمسته مراتٍ قلائل ثم سرعان ما أفلت منها كما تُفلت المياه من الأصابع، أم أنها الأمومة؟! يجب أن تعترف بأنها امرأة مهزومة