المؤلفون > حسن عبد الموجود > اقتباسات حسن عبد الموجود

اقتباسات حسن عبد الموجود

اقتباسات ومقتطفات من مؤلفات حسن عبد الموجود .استمتع بقراءتها أو أضف اقتباساتك المفضّلة.

حسن عبد الموجود

عدل معلومات المؤلف لتغيير تاريخ الميلاد أو البلد

اقتباسات

  • طالع صور أم كلثوم دومًا قبل أن ينام، بدتْ له امرأة جميلة، جذابة، ثم صارت حلم حياته، وحبَّه الكبير، لكنه خجل من مصارحة أبيه، وفضَّل أن يهمس بالسرِّ في أذن أمه: «أنا بحب أم كلثوم، وعايز اتجوزها!»، ضحكت أمه، قائلة: «من عينيا يا روحي، بس كمِّل تعليمك عشان هي مش هترضى بواحد جاهل!».

  • رأته مرارًا يقف متلعثمًا أمامها في الكواليس، تهرب منه الكلمات، فتهمس في أذنه أن لا داعي للكلام، لقد وصلتها هديته العظيمة هناك، أمام مئات العشاق.

    ‫ لكنها وهي تغني مساء اليوم، وتراه يتمايل على وقع حركتها فوق السلم الموسيقي صاعدة نازلة، خطرت لها فكرة غريبة، وهي أن تطُب عليه في بيته، أرادت أن تقول له: «شكرًا». خشيت ألا يكون موجودًا حين تصل، لكنهم رتَّبوا كل شيء. أخبروها بخط سيره الصارم الذي لا يتغيَّر على مدار الشهر، من البيت إلى الوكالة إلى المقهى. لا يغادر دنياه الصغيرة، إلا في الخميس الأول من الشهر، مهتديًا بهلالها.

  • نابلس، غزة، طبريا، بيسان، يافا. لم تشعر أنها تجلس على كرسي في قطار، ولكن على سحابة واطئة تتحرك بخفة. تمنت في تلك اللحظة لو تقفز من القطار وتجري حافية على تلك الأرض الحانية، تمنت،

  • وقفزت إلى ذهنها من حيث لا تدري صورتها وهي تجلس في القطار المتجه من القدس إلى حيفا؛ الهواء منعش، والسماء صافية، والضوء يغمرها بالونس، ووجوه الفلسطينيين التي تنطق بالنضارة حولها ترحِّب بها بابتسامات صافية رائقة. لم يخطر لها قط أن تعاني تلك الأرض يومًا أشدَّ معاناة، لم تتصور أن تحتلها أحذية الغرباء، لم تتصور أن تتشرَّب دم أبنائها حتى ترتوي. لم تتصور أن تُسرَق قطعة قطعة، حتى تصير محرَّمة على أصحابها.

  • لا تنسى أبدًا تلك الإعلانات الجميلة التي وجدتها معلقة في كل مكان في القدس، على الجدران، وواجهات المسارح، وأبواب الدكاكين والحانات والبلكونات وأعمدة البرق، وحتى على عربات القطار، لا تنسى أيضًا التهليل والصياح والطبل والزمر والعيون المنبهرة والقلوب المفتوحة والوجوه المشرقة التي قابلتها كأنها ملكة القدس ملأتها طاقة دافئة وأشعرتها بأنها ستطيل عمرها ألف عام صحيح أنها ليست المرة الأولى التي تُستقبَل فيها بفرحٍ غامر، لكن هؤلاء الناس فيهم شيء غريب مدهش، شيء كالسحر ربما يستمدونه من أديم الأرض، أو من أشجار الزيتون والصبَّار والصنوبر والسرو والبلوط والتوت الأسود، أو من أسماء بلادهم المحبَّبة إلى النفس، بيت لحم، بئر السبع،

  • حكى لها هروبه من المدرسة قاصدًا دكان نجَّار يهوى العزف على العود، اسمه الأسطى حسن، رجل شديد الجمال علَّمه كل ما يخص العود، واستمع إلى صوته وشجَّعه على الغناء، قال لها: «أبويا موسيقي عظيم، لكن الأسطى حسن هو أبويا في الفن!» أنصتت إليه أم كلثوم باسمة ولاحظ أنها ترتجف، رغم أنها ترتدي ثوبًا من وبر الجمل وتغطِّي رأسها بإيشارب وتُحكِمه بعقال. عرض عليها ارتداء جاكتته. راقتها جدعنته، لكنها خجلت أن تقبل. وحتى تزيل الارتباك عنها بدأ

  • لم تكن هي الموهبة الفريدة الوحيدة التي تتنقَّل كفَراشةٍ مع أبيها هنا وهناك. فتحت الحياة أيضًا أبوابها أمام الطفل المغنِّي رياض السنباطي. ترك هذا الصبي الصغير بلدته فارسكور في ذلك التوقيت البعيد، ليعيش في المنصورة، ويرتبط اسمه إلى الأبد بسُنباط، بلد الحب والغناء والجمال، وفي محطة قرية «قرين» دقهلية وقع اللقاء، حيث لمح الوالدان، الشيخ إبراهيم والسنباطي الكبير، أحدهما الآخر، وتصافحا بحرارة، تبادلا الحديث عن هموم العيش ومساعي الرزق والأغاني الشعبية الرائجة، كما تصافح الصبي والصبية التي كانتها، وأخذا يثرثران حتى وصل القطار.

  • «إلى هنا وانتهى حديث الآنسة أم كلثوم الزمخشري، غفر الله للآنسة ولألفية ابن مالك وللقاموس الذي تتسلَّى بقراءته كل يوم ساعتين!»

  • لمحتُ الطبيب يخرج من الباب المفتوح مُطرِقًا، وربما خرج وراءه مَلَكُ الموت مُطرِقًا بدوره. تجمَّد الوقت، وأُصِبتُ بالصمم. هرول الناس حولي في كلِّ اتجاه كأن القيامة قامت، لكنني لم أنتبه لصياحهم ووَلْوَلاتهم وصراخهم، ولم أسمع سوى صوت الصمت الثقيل، ثم انفجر طنينٌ مستمر في أذني وعقلي. ماتت أم كلثوم.

  • كانت فساتينها سرًّا حربيًّا، لا تُطلِعُ عليه إلا وصيفاتها، وأنا. طاب لها أن تسألني عن لون الفستان، أو البروش، أو الأنسيال، أو الخاتم، أو حتى لون المنديل، ورائحة العطر، كأن رائحتها تصل إلى كل عشَّاقها في المسارح، وكانت تُسِرُّ لي باسم الماركات. تقول لي بجدية مصطنعة: «الفستان من شانيل.. العطر من ديور.. والمرأة صُنِعت في مصر!»، ثم تضحك عاليًا، فأضحك وأردد كلمة «رائع».

  • أنهض من مكاني وأنظر من الشرفة إلى الشارع. لا صوت يأتيني، لا زقزقة عصافير، لا ثرثرة بائعين، لا كلاكسات، حتى الطنين في أذني زال كأنما خرج من الشرفة. هبَّ الهواء اللطيف وداعب وجهي، شممتُ شذا الياسمين، ثم انساب صوتها فجأة كأنما خرج من أحد الشقوق: «كم بعثنا مع النسيم سلاما». شعرت بثقل يدها على كتفي، وابتسمت.

  • صوتها في مكالماتنا كان ونسًا، شعلةً، أو لهبًا، نورًا، أو شمسًا صغيرة في حقول الظلام التي أتوه فيها

  • لندن لم تعطها سوى بعض الأحذية، أما باريس فقد أعطتها غنيمة كبرى بخلاف الملابس والعطور وعلب المكياج، فقد زوَّدتها بلمسة أناقة دون أن تتعالى عليها، ودون أن تنزع عنها الفلاحة التي تخبِّئها أسفل ملابسها.

  • تذَّكرت أم كلثوم أيضًا «قصب» أفندي وقد صبغ شعره فصار «أسود فاحم». أطلَّ عليها، ونظر في عينيها مستجديًا الانبهار، لكنها صدمتْه حين انفجرت في الضحك قائلة: «راسك بقت شبه الختَّامة!»

  • طالعت أم كلثوم صورة تجمعها بالسنباطي في برواز صغير موضوع على الطاولة أمامها. وفكَّرت أنها لا يجب أن تخسر رفقة البدايات، لقد أحبَّتهم وأحبوها، صنعتهم وصنعوها، دعمتهم فرفعوها فوق السحاب.

  • متخيِّلًا أن قلبه وقع على الأرض متهشمًا مثل الطبق الصيني. انتابته رعشة عنيفة وارتفعت درجة حرارته وسمع النبض في أذنه. أدرك أنه على وشك الإغماء. اتجه بسرعة إلى أقرب كرسي، ولم ينتبه إلى العود المركون على الجدار فشاطه بقدمه. لم يكترث إلا بالوصول إلى الكرسي.

  • ❞ «الزرع زي البني آدم، لازم تقصِّي شعره عشان يستريَّح ويتنفس ويجدِّد نفسه!» ❝

  • لو سألت كل فرد في هذا التياترو: «من هو سمِّيع الست الأول؟» سيرد بفخر وحماس: «أنا!»، لكنها إن اختارت ستختاره هو، بصِدقه، وهيامه، وروحه الدافئة، وإخلاصه، وقصْر حياته على رجاء وحيد، أن يراها في مطلع كل شهر، يتذوَّق العسل في صوتها، ثم يهرول خلفها في الكواليس، متلهفًا إلى لمسة يدها. لم تشعر أبدًا في لمسته بحرارة العشَّاق، لكن بدفء التقديس، كأنه يلمسها ليتيقَّن من أنها إنسية.

  • فسألته: «إيه اللي حصل؟!»، أجاب ضاحكًا: «قوة صوتك حرقت الميكرفون!». سألت مندهشة: «معقولة؟!»، فقال مشيرًا إلى أحد مهندسي الصوت: «ده كلام المختصين يا هانم، وفيه لجنة هتأكد الموضوع ده أو تنفيه خلال أسبوع!».

  • في الاستراحة خرجت أم كلثوم إلى الكواليس فجروا ناحيتها بالمناديل يجففون وجهها، ثم جلست على كرسي، بينما هلَّ محمد سعيد لطفي وعلي خليل، وقال الأول وهو ينحني ناحيتها: «منتهى العظمة يا هانم»، بينما قال الثاني: «احنا بنفكر نعمل تذاكر موسمية، يعني ممكن الزبون يدفع تذاكر كل حفلات السنة مقدمًا»، ردَّت أم كلثوم مازحة: «زبون؟ وأنا كوافيرة يا أستاذ لطفي؟!»، فضحك، لكنها استدركت بسرعة: «لازم تسيبوا شوية تذاكر على جنب عشان يكون عند الناس أمل.. فاهميني؟!»، فردد الاثنان بحماس وتقدير: «فاهمينك!».