اقتباسات حسن عبد الموجود

«بصي يا ستي.. الظاهر النقاد دول الواحد منهم همُّه على بطنه، لما بيعدِّي على مطرب ولا مطربة مش بيطلع من البيت إلا ومعبِّي كرشه.

وبمجرد أن نطقت سكتت الهمهمات واتسعت العيون وطربت الأفئدة ونسي الباشوات وقارهم فقد غرقوا في سحر الصوت، ثم انفجروا في التصفيق مع أول سكتة، وهتف أحدهم: «كمان مرة والنبي، يا حلاوتك.. يا جمالك!

التفتَ إلى أبيها وقال له: «لازم أم كلثوم تسافر القاهرة وتغني قدَّام جمهور أكبر وذوقه مختلف. بنتك يا شيخ إبراهيم نجمة حرام تدفنها هنا!»..

ذات يوم تغني: «عصافير يحسبن القلوب من الحَبِّ، فما لي بها عصفورة لقطت قلبي»، ورأت الإوزات تقف مشرئبة الأعناق في صف تستمع إلى ابنتها، كأنها الجمهور، لا تنبس، ولا تتحرك،

وها هو يستغل تعلقها به، يربكها، يؤذيها، يجبرها على أن تفعل ما لا تحب.

لكنه كان يؤمن بأن يد الرجل يجب أن تكون خشنة

وهي تجلس في القطار المتجه من القدس إلى حيفا؛ الهواء منعش، والسماء صافية، والضوء يغمرها بالونس، ووجوه الفلسطينيين التي تنطق بالنضارة حولها ترحِّب بها بابتسامات صافية رائقة

لم يخطر لها قط أن تعاني تلك الأرض يومًا أشدَّ معاناة، لم تتصور أن تحتلها أحذية الغرباء، لم تتصور أن تتشرَّب دم أبنائها حتى ترتوي. لم تتصور أن تُسرَق قطعة قطعة، حتى تصير محرَّمة على أصحابها.

أدركت أنه يتعذَّب بفكرة وسامته الضائعة، ويفكِّر في شكله أمام المرأة التي قنع من الحياة بنظرتها، وها هي نظرتها تشوِّكه. أصبح لا يكترث، لا للحبِّ ولا للشعر ولا للشهرة ولا للمال. الحياة أقفرت، الدنيا أظلمت، ولا معنى للأمل.

«الزرع زي البني آدم، لازم تقصِّي شعره عشان يستريَّح ويتنفس ويجدِّد نفسه!

لم تكن أم كلثوم تدري كيف تُقنع الناس بأنها ما عادت طفلة. خلعت العقال، وتخلصت من الأسمال والمعطف الكالح الذي استمر لصيقًا بها لسنوات. إنها الآن شابة جميلة ناضجة، ومغنية تضيف كلَّ يومٍ إلى نجوميتها عشرات السمِّيعة، فتغيظ فاطمة قدري ومنيرة المهدية وبقية نجمات الزمن الغابر

لكنه أخفى ضعفه بالكبرياء وقوة الشخصية، وأحيانًا الضحك،

أدركت أنه يتعذَّب بفكرة وسامته الضائعة، ويفكِّر في شكله أمام المرأة التي قنع من الحياة بنظرتها، وها هي نظرتها تشوِّكه. أصبح لا يكترث، لا للحبِّ ولا للشعر ولا للشهرة ولا للمال. الحياة أقفرت، الدنيا أظلمت، ولا معنى للأمل.

الميكرفونات بوظت الغنا

الصحفي: هل أنتِ قاسية كما يشيعون؟

‫ أم كلثوم ضاحكة: مظلومة!

‫ الصحفي: بخيلة؟

‫ أم كلثوم: مظلومة!

‫ الصحفي: مفترية؟

‫ أم كلثوم ضاحكة: يا ساتر!

‫ الصحفي: أخيرًا ما أكثر ما يزعجكِ في حياتك؟!

‫ أم كلثوم (تضحك): الحوارات الصحفية!

كلما هاجت ذكريات الشباب عليه بكى، وكلما عبر شذا الأحبَّة الذين سبقوه إلى الدار الآخرة بأنفه بكى،

إنها لا تزال امرأة ريفية أسفل فساتينها الزاهية، امرأة ترفض المساس بأخلاقها حتى لو بقصة حب عذرية

إنها تعامله كشاعر، بينما يعاملها كحبيبة، يراها أجمل امرأة، وتراه مجرد رجل من عشرات الرجال حولها، يراها حلمًا، وتراه أستاذًا، يراها كوكب الأغنية، وتراه قمر الشعر.

ولهذا دفن الجميع مشاعره، الزوجة تحت ركام مشغوليات الأسرة، ورامي تحت جلده، وأم كلثوم خلف حماسها لموهبته،

تدخَّل، همس في أذنها وهمس في أذنه، فرفعت السماعة واتصلت به. أدركت لحظتها أن صداقتهما عظيمة، فلم يتعاتبا، بل أكملا حوارًا قديمًا!