الطريق الى الإسلام

لا زالت السير الذاتية أكثر ما يغريني للقراءة .. يجلس رواي القصة على الأريكة وأتربع على الأرض بقربه متأملةً لمعة عينيه منصتةً لصوته المتماوج ..

كيف إذا كانت السيرة لرجل غربي يهودي كان تائهاً في أغوار ذاته التي تبحث عن حقيقة هذا الوجود ؟!

يااه كم كان للجمال سلطة في تدرج كلامه عن تعرفه على الله .. غنية بمشاعرة إنسانية فطرية للتو قد ولدت مما جعل الاستشكاف والبحث والهمة والتعمق سمة طاغية على ذاك الوليد

أسرني سرده أسفاره ورحلاته المجنونة و شغفه بأراضٍ جرداء قاسية متعبة كاد أن يموت فيها !

أكّد لي قاعدة تقول .. نحن لا نستطيع التعرف على ذواتنا إلا من خلال الآخرين الغرباء ، فعرفت من خلال غربيّته جمال لهفتنا العربيّة على المستنجد وكرمنا المطلق والثقة في علاقتنا سويّا التي وإن اهتزت واهترأت في يومنا هذا .. لكنها باقية

أتعبني في غيرته على الإسلام وغضبه الذي سكبه في حديثه مع صاحبه المسلم .. مضى قرن على عتابه !

هزّني قول صاحبه الذي كان أحد أسباب إسلامه : " أنت مسلم .. لكنك لا تعرف ذلك ! " .. أوقفني طويلاً

ولأن السير الذاتية وحدها مصاغة بقلم القدر .. يعجزني جمالها عن إعطائها أقل من خمس :)

تمّ تحديث المراجعة

أخذني الكاتب في مغامراته الجميلة حتى أحسست أني أخوض فيها معه كل مراحل حياته وكلما صعد جبلاً أو هبط وادياً ، كانت مخيلتي تنسج صورة مطابقة لوصفه الدقيق البارع الذي جعلني أحس وكأني أشاهد فيلماً سينمائياً رائعاً ...

لقد كنت بحاجة إلى قصة حقيقية مؤثرة عن إسلام رجل غربي وإعجابه بالإسلام مقتنعاً به بعد دراسة طويلة وتفكر موضوعي بعيد عن كل آراء من حوله من المجتمع والأهل رغماً عن أنها آراء مضادة وساخرة بعيدة عن إعمال العقل أو التفكير المنطقي ... ومن الجميل أن تشعر أن الكاتب قد وضع إحساسه وتفكيره كله في هذه السيرة حتى بأدق الأشياء التي قد لا ننتبه إليها أو لا نلقي لها بالاً كانت محطّاً لاعجابه

كان إعجابه بالعالم العربي وبالخُلُق العربي وصفاء الروح كبيراً جداً وكثيراً ما قام بعمل مقارنات بين الواقع الغربي المقيت (بنظره) وبين العالم العربي النقي والكريم لدرجة أنه كلما عاد إلى وطنه من رحلة كان فيها بالشرق الأوسط كان يحس أنه يشمئز من الوجوه الغربية الكاذبة المادية -حسب وصفه-حتى قرر في النهاية أن لا يرجع بعدها إليها

كانت سيرة ذاتية بطريقة الرواية من حيث الانتقال بالأحداث فهي لم تكن متسلسلة رتيبة أو مملة كباقي السير الذاتية ولكنه اعتمد فيها على عنصري التشويق و الاستطراد بانتقاله من زمن الى زمن بحيث نصبح بحاجة الى إعمال العقل من أجل ربط الأحداث ببعضها وأيضاً كانت ممزوجة بشرح (مطول في بعض الأحيان) للأحداث التاريخية التي عاصرها وكانت له أياد بيضاء فيها في بعض الأحيان مثل الحركة السنوسية في ليبيا وثورة ابن سعود ضد آل الدويش في الجزيرة العربية

أعجبتني طريقة تفكيره الموضوعية وشعوره المرهف بكل من حوله وطريقته العفوية في تعبيره عن مشاعره وإيمانه القوي العميق وشجاعته وحبّه للحقيقة من غير محاباة أو تملّق

وكم تمنيت أثناء قراءتي أن لا تنتهي القصة أبداً حتى صرت أقرأ عدد قليل من الصفحات لأستمتع بها وقتاً أطول

القصة فيها من العبر والعظات ما يجعل المرء يعيد التفكير في كل موقف من مواقف حياته هل هو على حق أم على باطل وخاصة للغربيين الذين يرغبون في التعرف على الإسلام ليساعدهم على تغيير نظراتهم المحتقرة للعرب والمسلمين التي ليس لها أي معنى غير العصبية للرأي وللمجتمع الذي يعيشون فيه

الكتاب رائع لو ينتشر في البلاد الغربية ليعرفوا بحق من هم المسلمين وما هي أخلاقهم

أنصح به الجميع