رواية "ظننته فيصل" – عبير حامد
كان سبب اختياري لهذه الرواية هو الغلاف الرهيب والرائع، ولأول مرة أقرأ للكاتبة عبير حامد، من إصدار المصرية اللبنانية، عبر تطبيق أبجد.
هي حكاية بعينٍ بصيرة عن طفلة جميلة ذات شخصية بريئة ومميزة، بأسلوب عذب وصادق، اسمها ياسمينة.
ياسمينة ليست طفلة عادية، بل عاشت في فقرٍ بائس، رغم سعيها الحثيث للبحث عن ذاتها، واكتشاف العالم الخارجي.
وقد حُبست في كوخ، هرباً من واقعها، ثم بيعت من قِبل عائلتها إلى باريس، ومن هناك إلى دوفيل، ومن ثم إلى فرنسا.
الرواية تتشكل بأسلوب بسيط، يصاحبها تصور سينمائي بطابع اجتماعي، يفيض بالحزن والفقر والجوع والألم.
عاشت ياسمينة الكثير من الأوجاع، لكنها لم تفقد الأمل.
كانت تصارع خوفها، وحزنها، وذكرياتها مع والدتها، التي كانت تمثل لها الأمان الوحيد، والسند الأعمق، لكنها حُرمت منها بسبب الفقر، الذي باعها دون رحمة.
تحمل الرواية الكثير من مشاعر الصدق، وتسرد رحلة ياسمينة في البحث عن ذاتها، عبر فصول متباينة من الفقر، بدءاً من سن الثالثة عشرة، مروراً بالطبقة المتوسطة، ومع كل رجل مختلفٍ تمر به.
أحببت هذه الرواية وكأني عشت داخلها، وتعرفت على كل تفاصيلها، وكل مواقفها المختلفة التي تعلّم كيف نتقبّل الألم والأمل معاً، ونسعى للبحث عن الحياة بعد فقدان الأمان.
فلا وجود لعائلةٍ كانت السبب في التشتت، والهروب من البيت، بلا سند، من أبٍ مهووسٍ بشهواته الداخلية، سرق من ياسمينة طفولتها، وحريتها، وكرامتها، وأغرقها في الخوف من المستقبل، والجهل، والظلام، الذي خيّم على أفكارها.
كانت تصارع في دوامةٍ لا نجاة منها: بلا بيت، بلا عائلة، بلا عمل، بلا أصدقاء، بلا إخوة.
تواجه ياسمينة طفلها الداخلي، وتحاول النجاة من كوابيسها، عبر أفكارها، تبحث عن صفحةٍ ثابتة، دون أن تجد شعور الأمان.
الرواية مستوحاة من قصة سندريلا والأمير، لكن بطريقتها المختلفة والخاصة.
اللغة بسيطة وسهلة القراءة، مما أضاف للرواية أصالة وجودة عالية.
من مميزاتها تطوّر الأحداث بشكل سريع، أما العيب الوحيد فكان في الروتين اليومي المتكرر رغم تغيّر الوقائع.
بكل صراحة، كنت أبحث عن شيء يُشبهني، عن روايةٍ أحبها وتشبهني، حتى وجدت هذه الرواية التي كُتبت بكل عذوبةٍ داخل بؤسٍ أسود.
إنها رواية تشبه الحرية، والبحث عن الذات، والحب الصادق.
كأنها ترتدي قلبي، وتكشف عن ذاتي، وكأني عشت في شخصية ياسمينة.
تعكس انطوائها، وصمتها، وصراعها النفسي، وحوارها الداخلي، واحتياجها للأمان والاستقرار.
وقعت في حب هذه الرواية، التي يقال إن كل شخصية فيها تشبه شخصيةً من الواقع.
وقد كُتبت بالسرد الروائي باللغة العربية الفصحى، مع حواراتٍ تخلو من العامية.
ياسمينة كانت تبحث عن حبٍ آمن، حتى التقت فيصل، رجل ناضج يكبرها بعدة سنوات، متزوج من مريم.
جمعت بينهما علاقة سرية، استمرت خوفاً من عائلة سيف، شقيق فيصل.
هذه الرواية مدهشة.
الماضي يسحب ياسمينة إلى الكوخ، حيث تكتشف حقائق مؤلمة.
ليست رواية عادية، بل رواية نفسية، مليئة بالأوهام والانفصال عن الواقع.
الأوهام، والهلاوس البصرية والسمعية، كانت سبباً في اضطرابات ياسمينة النفسية.
كأنها عاشت في ماضٍ لم يكن سهلاً عليها أن تتقبله، فاختلطت الخيالات بالواقع.
راحت تهرب من كل شيء، بحثاً عن وعيٍ ضائع.
نهايتها مؤلمة وقاسية.
تألمت معها، بعد انتهائي من القراءة الإلكترونية خلال يومين.
لكن يمكنني القول بصراحة: هذه الرواية رائعة، ومختلفة، وغريبة، وخارجة عن المألوف.
تفتح باباً للتصالح مع الذات، وتقبل الاضطرابات، للبدء بفصلٍ جديد من الحياة...
حياةٍ لن تنتهي أبداً.