الرواية: ظننته فيصل.
الكاتبة: عبير حامد.
دار النشر: الدار المصرية اللبنانية.
عدد الصفحات: 193.
❞ كانت نظرتي مشوهة عن نفسي، ضبابية، يشوبها الكثير من الخوف وانعدام الثقة، تراكمات الماضي وصور ذهنية مركبة من أحداث وقعت تحولت بمرور الوقت إلى هواجس وصراعات يقينية، حولتني إلى لوح خشبي، ولتكن صورة ألطف حولتني إلى دمية، كنت أشبه بميت في جسد يتحرك بلا روح، فاقدة الرغبة في الحياة، انقطع فيّ الرجاء، فراغ في داخلي، فراغ وسيع جدًا، كان طاردًا ومانعًا للاندماج مع من حولي، عشت غريبة عن نفسي عن ملامحي عن الوجود وكثيرًا ما تنازعت روحي مع جسدي حول نفسي وغربتي عنها وتعاستي، فبين الألم والقهر ضاع عمري، ❝
تبدأ الرواية من غرفة صغيرة في دورفيل، حيث تقطن ياسمينة التي تقوم بتدوين ما مرت به من أحداثٍ مؤلمة، محاولة بذلك التخلص من أشباح الماضي التي دمرتها وشوهت صورتها للحياة.
في كوخ صغير أعلى الجبل بقرية الفقرة، ولدت ياسمينة، حيث الباب يصدر صوتاً كالجرس عند فتحه وغلقه، و على الحائط مرآة معلقة يحفها التآكل من جميع جوانبها حتي لا تكاد ترى وجهك، وأسفلها فرشٌ ملونٌ بألوان باهتة، وعلى الأرض حصير يجلسون عليه لتناول الطعام وطبقها المفضل الكسكسي التي تتفنن والدتها بصنعه، و والدها الذي يخرج للمدينة للعمل ثم يعود بوجهٍ عابس لا ملامح فيه، مع نظراته الغريبة والمريبة لياسمينة.
بدأ تشوه فكر ياسمينة حينما خرجت صغيرة مع والدتها لسوق القرية لشراء حاجيات المنزل، ليلفت انتباهها كطفلةٍ صغيرة دمية معلقة في أحد المحلات، ليستغل رجلٌ مستقل لعربة شرودها وتركها ليد والدتها ليحاول التحرش بها لولا قيام إحدى السيدات بإنقاذها وعودتها لوالدتها، لتكون الطامة حينما قام ذلك الرجل الذي ظنته والدها باغتصابها في لحظةِ سكر مستغلاً غياب والدتها، ليتشوه لها معنى الأمان الذي من المفترض حصولها عليه من هذا الرجل الذي ظنته والدها.
❞ كنت أعيد كل يوم شريط حياتي أمامي، أغربل منه الخيالات السوداء وألملم ما أذكره من رائحة أمي.. ❝
صورت الرواية بدقة عالية وبؤس شديد، العذاب الي عانته ياسمينة بعد زوجها من جاد الذي كان يعمل كممرض وخرج من دار الأيتام، وكيف باعها من ظنته والدها له بثمن بخس دون علم والدتها ولا رؤيتها، ليسافر بها إلى فرنسا حيث باريس أمام برج إيفل، لتطل برأسها بكل فضول وجهل لما حولها على المنتزه الذي يلعب به الأطفال بسعادة مع عائلاتهم وتفتقد شعور الأمان والسعادة التي كانت تستشعره من والدتها، وعن علاقتها المضطربة بجاد وشكها العظيم بجارتها هبة الله، لتجد نفسها في يومٍ ما تجلس على كرسي بالمنتزه ومعها حقيبة بها جواز سفرها وبضع نقود، لتقوم بحجز أول رحلة للقطار لتذهب إلى دورفيل المدينة التاريخية ملتقى السياح.
❞ سيلزمنا عمر إضافي لنسيان هذه السنوات، التي قضيناها في زمن لا يشبهنا بغابة دخلناها طيورًا وخرجنا منها حطابين..
سيلزمنا قلوب أكبر لتتسع لكل هذا الأذى..
سيلزمنا الكثير من الصلوات والدعاء والتأمل لنسيان كل مما مررنا به. ❝
عانت ياسمينة العديد من الصعاب في دورفيل من بحثها عن الطعام خاصةً بعد فقدان نقودها، و جلوسها جانب الحاوية لأخذ الطعام منها، مع معاناتها البالغة من رؤية خيالاتٍ سوداء وافتقاد ذاكرتها لما حدث قبل الآن، لتتعرف بطريق الصدفة على ميلا التي تعمل بالحانة المجاورة لهذا الشارع، لتقوم ميلا بإيواء ياسمينة ومساعدتها في العمل معها، لتطور علاقتهما مع ازدياد هلاوس ياسمينة وفقدانها شبه التام لمشاعرها وقدرتها على الحديث كالدمية لا تشعر بشيء، لتقوم في يومٍ بالهروب من المنزل دون سبب خوفاً من الرجل الذي صاحب ميلا، ليقوم سيف بمساعدتها وإعادتها إلى منزل ميلا، ليقوم بعدها بالزواج منها والعودة بها إلى الكويت حيث عائلته المكونة من زوجة أخيه مريم المتوفي، وشقيقته و والدته، لتقع هي في حب فيصل العميق شقيق سيف الأكبر، وتشعر معه بالأمان الذي افتقدته ممن حولها من الرجال.
❞ الحياة جميلة لا بد لنا من الاستمتاع بها بالطريقة الصحيحة، فالليل لن نجده مظلمًا إن وجهنا أبصارنا إلى نجومه المضيئة، والضيِّق لن تجده ضيقًا حينما تنظر لأمورك الأخرى الماثلة بين يديك والتي قد تسليك وتخفف عنك وطأته ❝
بدأت التناقضات تحيط بياسمينة بعد صدمتها بأن فيصل متوفي، وأن مريم ابنة سيف لا فيصل، تزامناً مع تشوه صورة مريم أمام عينها ورؤيتها بأنها هي عند زواجها من أمجد ومرة وحمد ابن فيصل يحاول التحرش بها وهي تهيم به عشقاً، لتمر فترة ويتوفى سيف تزامناً مع إجهاضها بولدها، وإصابة مريم بالمرض الخبيث الذي استدعى سفرها هي و والدتها إلى باريس للعلاج وزيادة تخبط ياسمينة، وظنها بأن مريم حامل من حمد ويجب التستر عليها، لتكون صدمتها حين توفت مريم و اكتشافها بأنها تبلغ من العمر الرابعة فقط، لتتوالى الصدمات على رأسها باكتشاف أن كل ما كانت تعيشه كان من محض خيالها واختلاط الواقع بالخيال، لتحجز في النهاية في مشفى دورفيل للأمراض العقلية.
الرواية رائعة جداً واللغة سلسلة وتنتهي في جلسة واحدة، ولقد نجحت أيّما نجاح في تصوير معاناة البطلة وأثر التحرش عليها دون تفصيلٍ خادش للحياء، وكانت أول مرة لي بالعلم بأثار متلازمة جوسيكا.
اقتباسات:
❞ إننا نحن البشر لا نستطيع إعادة التواريخ للوراء، أو العودة للأحداث الماضية، فما مضى، مضى وانقضى، فلا نستطيع تغيير خيباتنا وإخفاقاتنا وسقوط أرواحنا في بؤر العذاب، ❝
❞ إن الطبيعة أهدتنا نحن البشر سيمفونية عذبة نقية لمن يدرك قيمتها، فشروق الشمس، وزقزقة العصافير، ونسمات الهواء العطرة تُجدد فينا كل صباح، الحب والجمال، تلك السيمفونية التي لم يتدخل بها الإنسان ولم يعبث في ميزانها فحافظت على نقائها وصفوها. ❝
❞ أدركت أن الحياة بسيطة جدًا، وأننا جزء من هذه الحياة لنا كينونتنا وشخصيتنا ومشاعرنا وأحلامنا، وحتى لا ندخل في صراعاتها لا بد أن نحب أنفسنا أولًا، فحب الذات ليس أنانية أبدًا بل هو تصالح معها وقبول لها، أن تحب نفسك، أن تقبلها كما هي، وأن تحاول تغييرها إلى الأفضل، بما يرضيك أنت لا ما يرضي الآخرين، هو حل لتلك الصراعات التي لا بد أن تواجهها في هذه الحياة، ❝
#ظننته_فيصل
#عبير_حامد

