اقتباسات من رواية مدن الحليب والثلج

‫ في الموصل، كنتُ شاهدًا على موتِ الحقيقة. الفكرةُ تُذبَح،

فالكذبة المغلّفة بالمصطلحات التربوية كانت أسهل من مواجهة كابوس يُقدّم ضمن جلسات الدعم النفسي على أنّه حماية.

الأمومة؛ أن تضعي طفلك جهةَ القلب، وتضعي بقية العالم، على وضع الطيران. أن تكوني أول من يستيقظ على شهقة، وآخر من ينام على نبضه، وأن تتذكّري في نومكِ أنّ طفلكِ سيبكي بعد قليل، فلا تعرفين النوم أصلًا. أن تُخيطِي النهار على مقاس بكائه، أن تنسي صوتكِ لتُتقني لغته، وتُذيبِي جسدكِ كي يشتدّ عوده. أن تنجبيه بعد تسعة أشهر، وتحمليه بعدها كلّ العمر.

❞ الأمومة؛ أن تضعي طفلك جهةَ القلب، وتضعي بقية العالم، على وضع الطيران. أن تكوني أول من يستيقظ على شهقة، وآخر من ينام على نبضه، ❝

‫ أيّ عفوٍ؟! أن أمحو عذابي، وعذاب أمي ومرضها.. وحرمانها هي وطفلتها من أرثِ زوجها؟

‫ أن أصفح، يعني أن أرتقي فوق الألم، أن أرتدي درع القوة لأمحو ماضيًا ملطخًا بالقهر والدموع.

‫ كيف أغفرُ وأنا ممزقةٌ بين رغبةِ سلامٍ ورغبة انتقام؟

‫ الغفرانُ قوة تتطلب مساحةً من السلام، سلامٍ لا أعرف كيف أصل إليه وأنا ما زلتُ أنزفُ من جروحٍ لم تلتئم.

‫ لا أقدر يا حليمة، أنا أضعف من أن أصفح هكذا بسهولة. تضمني، وتبكي معي كلّ الخسارات.

❞ أدركتُ حينها أنّ كلّ الذين عادوا من المعارك سالمين، لم يعودوا أنفسهم. الحرب لا تقتل فقط، هي تُغيّر من تبقى. ❝

أدرك أن الإعلام الرسمي يُقصي الصوت حين يُربكه، ففتح نافذته بنفسه. أنشأ صفحةً أسماها: جرائم السوسيال. غرد تحت وسم: #خطفوا أطفالي. ثم اقتحم «تيك توك»، في البداية كمن يطرق بابًا لا يعرفه، وسرعان ما اكتشف أنه منصةٌ تُشعل الرأي العام بلحظة. يحكي عن وجعٍ مشترك، عن آباء سُلبوا كما سُلب. بدأ الصدى يتكاثر… ووجعه لم يعد وحده.

أمٌّ لا يطلبها أحد، أمومة معطلة لامرأة أنجبت ثلاثًا، ولم يعد في حضنها طفلٌ واحد!

لا شيء يحدث بغتة. كلُّ ألمٍ هو امتدادٌ لوجعٍ قديم، وكلّ سقوطٍ هو تتمّةٌ لسقوطٍ سبقه. الحياة تُعِدُّنا للفقد على جرعاتٍ خفيّة، حتى لا نفزع حين يدهمنا بأكمله. تدريبات ناعمة قبل الطامة الكبرى، تشيرُ بيدها ساخرة:

لا شيء يحدث بغتة. كلُّ ألمٍ هو امتدادٌ لوجعٍ قديم، وكلّ سقوطٍ هو تتمّةٌ لسقوطٍ سبقه. الحياة تُعِدُّنا للفقد على جرعاتٍ خفيّة، حتى لا نفزع حين يدهمنا بأكمله. تدريبات ناعمة قبل الطامة الكبرى، تشيرُ بيدها ساخرة:

أنّ الإنسان لا يُصقل بالكمال، بل بالتشظّي. وأنّ في كلّ شرخٍ داخلي، بذرة وعيٍ تتفتّح… تمامًا كما يولد الضوء من قلب الانفجار.

هناك موتٌ يمرّ خفيفًا كزفرة، يُبكى لحظة ويُنسى، وموتٌ آخر يندسّ في جدران المدينة، موت جُمان لم يكن لي وحدي، كان حزنًا مشاعًا، مرثيةً جماعية.

كلّ الذين ظننتَهم رمادًا، يكمُنون في اللاوعي، كجمرةٍ يغشاها الرماد. يظهرون فجأة، كأسماء فوق بطاقات الورد، بطاقات تعزية بعضها يلدغ بخبث.

‫ الحب الحقيقي لا يحتاج إلى شاشات، لا يُقاس بعدد قصصٍ تُعرَض أو تُخفى؛ هو يقاس بمقدار ما يظل منقوشًا في الروح، ثابتًا كنبضٍ لا يتوقف، مهما ابتعد الجسد.

أشدّ أنواع الوحدة، أن تجد نفسك غريبًا وسط من يملكون روحك.

أشدّ أنواع الوحدة، أن تجد نفسك غريبًا وسط من يملكون روحك.

الشهرةُ لا تأتي دائمًا لمن يسعى إليها، أحيانًا هي من تنتقي صاحبها، تتسلل إلى حياة أحدهم فجأة، ليس لأنه أراد الأضواء؛ ربما لأنه فعل شيئًا لا يمكن للعالم أن يتجاهله ببساطة. وبعض الأفعال لا تحتاج إلى تخطيط، هي تنبثق من غريزةٍ عميقة، وفطرة إنسانيةٍ لا تقف لتفكر، تتحرك قبل أن تستوعب الخطر.

‫ في سوريا، النظرة تهمة، والاسم قيد، والشارع فخ.

في الغرب، يلبس الموت قناع قانون، يتسلل عبر الأوراق الرسميّة، ينتزع الأطفال من الجذور، تُسلخ منهم الأسماء، يُعاد تشكيل الهوية، كأن الانتماء خطيئة يجب التخلص منها.

‫ الموت هناك صارخٌ، والموت هنا خافتٌ؛ لكنّه لا يقل فتكًا.. وقسوة.

الغربة؟ ليست لهجة غريبة، ولا طقسًا باردًا. الغربة حين تهمسين باسم طفلك، ولا يرد عليك. حين تصبح الأمومة «قرارًا»، والأبوة «إثباتًا»، والعائلة «ملفًّا في درج».