اقتباسات عصام الزيات

ومن لا يعرفون الميت الشاب يحزنون أيضًا؛ لأن الشباب لا يتركون معاشًا ولا ثروة خلفهم، فالحزنُ يكون عليهم هُم.

الشهور التي قضاها السيد في المقابر أورثته حسدًا لمن يموت صغيرًا؛ يحزن عليه الناس حزنًا حقيقيًّا؛ لأن موته يكون مفاجئًا.

ليس دورك أن تكون محامي الشيطان يا أبا أحمد. بعض البشر سيئون بلا دوافع تحرّكهم أو مأساة تجبرهم، هم كذلك لأنهم كذلك.

فالناس تشتاق للذرية كي تضمن استمرار سيرتها بعد انقضاء أجلها، لا أحد يأتي بالذرية ويتوقع أن يرفعوا قضية للمطالبة باعتباره ميتًا، وبالقضاء سريعًا على سيرته، وتحويله إلى عدَم.

الآن فَهِم السيد كيف لمسمار صغير أن يقتل شجرة عملاقة، فقط لأن غارس المسمار كان متوقَّعًا منه الحضن لا الطعن

النخلة لم تُلقِ أبناءها لمريمَ العذراء لقوة امرأة نُفساء تدفعها، لكن لأنها شعَرت بصِدق احتياج مريم لها فساعدتها، والبيت لا تهدمه الجرّافات، بل يهدمه تخلِّي صاحبه عنه. ولا يهزم الزمن أي شيء، بل تُهزم الأشياء بهَجْر أصحابها لها.

معارك دخلتها دون أن أعرف لماذا دخلتها، ومكاسب سعيتُ وراءها إلى أن نِلْتها، دون أن أعرف لماذا، لكن الآن عرفت؛ لأني أستطيعُ لا لأني أحبُّ

بعد تحسن حالة السيد، أصبح مسموحًا له بأن ينام على ظهره، فنام عليه، نام لا لأنه يحب النوم على ظهره، لكن لأنه يستطيع أن يفعل. فتح عينه على اتساعها، فالخاطر كان لحظة كشف صُوفيّةٍ؛ لأني أستطيع لا لأني أحب.

هما صامتان، لا كلام ولا طعام. يتيمان يبكيان أمهما، وصغيران يواجهان الحياة بمفردهما لأول مرة. كانا خائفين، وحزينين، ولا يعرفان ماذا سيفعلان في الصباح التالي. لولا أن مراسم الدفن والعزاء مكرَّرة، وأيادي الكثيرين تساعد فيها، لما عرفا كيف يرتبانها.

عاد جسد الاثنين من الدفن والعزاء، لكن روحيهما دخَلتا القبر مع صفيّة،

لم يجرؤ أن يُقبِّلها، فلم يُقبل والدته أبدًا، وسيظل حتى آخر أيام حياته يندم على أنه لم يقبِّلها قبل ذلك أو حتى قبل أن تُدفن.

ساكنة؛ لا تُصدر صوتًا، ولا تُعد فطورًا، أو تصُبّ شايًا، أو تدعو للسيد ووالده، أو تعمل كجسر لنقل الكلام بين السيد وأبيه، الصمت فقط هي كل ما تفعله للمرة الأولى منذ وعى السيد على معنى الذاكرة والأمومة.

يشعران بأن البيت خاوٍ وأن الابن الثالث هو آخر فرصة لهما في الونس، والجِذْر الأخير الذي سيضمن استمرار شجرة عائلتهما، وطالما لم ينزعه الموت منهما فكلّ شيء هينٌ، وكل ما يطلبه أمره سهل طالما ليس الاستقرار بعيدًا عنهما؛ لذلك رَضِيا بما ضاع من الذهب والأرض فِداءً لبقائه بجوارِهما.

مرّت الأيام ثقيلة كالجبال لكن السنوات مرت سريعة كغمامة سوداء، لا يدري من يراها أتحمل له مطر النجاة أم سيول الهلاك.

كان شعره دائمًا محل اهتمامه، لا يحلقه إلا في لحظات الاكتئاب، أو الإخفاق الشديد، حين يريد أن يُشعر نفسه بأنه تغيّر.

الفلوس لا تأتي بسهولة، نشتريها بعُمرنا، وحين تضيع يضيع معها عمرنا.

لم يفقد إيمانه بالكامل، لكنه لم يعُدْ مؤمنًا أيضًا؛ يصلي أحيانًا، ويقرأ القرآن، لكن لم يعد يبحث عن شيء من وراء ذلك. يفعلها لأنه اعتاد أن يجد راحته في تلك الأمور

بوفاة أمه مات الجانب الروحاني في حياته وحياة أبيه. كانت هي مَن تجعلهم يرون في المصائب رحمةً، ويستشعرون الفرج عند اشتداد الكرب. لكن بعدَها تهاوَى ذلك الصَّرح الروحاني.

يحضن السيد أباه ولا مرة، رغم أنه ليس أبًا غليظًا، وليس السيد عاقًّا. إنما هي علاقة من نوع غريب تشكَّلت عبر السنين بين الأب والابن، لا يتكلمان وأعينهم متلاقية أبدًا، ولا يوجِّهان لبعضهما خطابًا بصورة مباشرة، بل عن طريق الأم،

لكن الخجل المتوارث في الأرياف جعل احتضان الأم لابنها أمرًا يُشبه الرضاع، يجب أن يُفطم منه الطفل في لحظة ما.