اقتباسات من رواية ملحمة المطاريد : الجزء الثالث

بعض الحكايات القديمة التي يظن الناس أن النسيان قد لفها، أو أن تذكرها ليس إلا فرصة لتحصيل تسلية أو عبرة، يمكنها أن تقفز بلحمها وشحمها، لتجري أمام أعين الحاضرين، كأنهم هم الغابرون، أو أن الغابرين قد عادوا على هيئة أخرى، لا تتبدل فيها سوى الأشياء.

هناك في عالم الغيب ما تفجع له النفوس التي استكانت للحاضر، وفي الأحلام والرؤى تنبيه لمَن آمن بالعطايا التي يهبها الله في ساعات النوم.

الهيبة يصنعها العدل والفهم، وليس البطش والاستعلاء.

أشد الفخاخ قدرة على الصيد هي التي تسكن الرؤوس. حكايات فاسدة ملتوية. روايات مفعمة بالحنين إلى الغابة. عناد يركب صاحبه. رغبة في الانتقام تتدفق في العروق بلا هوادة. النظر إلى الحياة من أسفل. بقاء الليل قائمًا في النفوس المهيضة حتى في وقدة الظهيرة.

تنصب الأيام فخاخها أمام السائرين مهما كانوا في حذر. زاوية عمياء تهجم منها الشرور والأوجاع، ببنما يظن مَن أحكم التدبير أنه قد ظفر بالنجاة إلى الأبد. حتى الطرق المستوية مملوءة بالحفر، فما بالك بتلك التي اعوجت، تعلو وتنخفض، تضيق وتتسع، ولا تتهادى لأقدام المتعجلين

كل عصي لان فوق الربوة. صار طيبًا كاليمام الذي حلق فوق الموج، وحط على القبور. طيبة صنعتها التقوى العابرة التي تقطع في حياة الناس فجورًا أصيلًا، لا يتخلون عنه إلا إذا رأوا الموت. كأن خطاياهم قد تساقطت في لحظة. رعب ملأ النفوس فألقت كل ما فيها من أثقال البغض.

غرقت أحلام «ناجي» و«بهاء» معًا، رغم أنهما غريمان، ولم تطفُ على السطح لتراها العيون عائمة، يراقصها ماء النهر الجاري، أو تهزها الريح.

‫ وحدهم الغواصون الذين يمكن أن يروها وهي تتمرغ حسيرة كسيرة في طين القاع، وتبكي أيامًا كانت فيها أجنحتها ترفرف في السماوات العُلا.

الأيام دوَّارة، على محيطها الواسع يكون الماضي البعيد جدًّا أقرب إلينا مما وقع بالأمس.

‫ مع الأيام راح «ناجي» يُحلق بعيدًا فيصغر «الجوابر» في ناظريه، بينما كان «بهاء» يغوص في الأرض، فكبر في عينيه «الصوابر»، حتى صاروا يسكنون رأسه ليل نهار، ويمدون سيقانهم ليطبقوا بها على صدره. يتنهد في حرقة، متطلعًا إلى اللحظة التي يزيح فيها هذا الغم.

لن تُهزم إن لم تنكسر نفسك، وتخر إرادتك، ويلين عزمك. الهزيمة تبدأ داخل الإنسان، فإن تمكنت منه، وملأت شعوره بها، بدأ يسلك درب المهزومين، يقول أقوالهم، ويفعل أفعالهم، يعطي عدوه ظهره، ثم يفر أمامه، فإن كان الشعور بالانكسار طاغيًا ركع المهزوم وطلب من غيره أن يفعل مثله ثم راح يسب الشجعان.