اقتباسات خيسوس مارتشامالو غارثيا

إن لم يظهر الكتاب في الموضع الذي يخطر لي، أغدو عاجزًا عن العثور عليه في أي مكان، وأسارع إلى شرائه مرة أخرى، كما يفعل الفيلسوف الإسباني فِرناندو ساباتير، يقينًا مني بأن الحصول على نسخة جديدة أيسر من العثور على تلك التي أملكها بالفعل.

وبعيدًا عن الترتيب الأبجدي، فلقد اجتمعَت كتبُ بول أوستر وجوزيف روث وكلاريس ليسبكتور في شتّى الأمكنة بمنزلي، بسبب نوبات شغف القراءة التي كانت تدفعني إلى قراءة خمسة أو ستة عناوين للمُؤلِّف نفسه، وأنا في حالة ذهولٍ، إلى أن تخفّ تلك النوبات.

«الفوضى في حدّ ذاتها لا تشغل بالي، وإنما ينغِّصني الثمن الذي يدفعه المرء لقاء الفوضى: وبذلك أعني الاضطرار إلى شراء كتاب تعرف أنك تملكه، لأن شراءه مرة أخرى أيسر من العثور عليه»، هكذا اعترف لي الفيلسوف الإسباني فِرناندو ساباتير، الذي تتنفَّس مكتبتُه فوضى في منتهى الخصوصية.

بطريقة ما، تحتفظ الكتبُ بغريزةٍ قديمة تليق بالأدغال، وبنزعةٍ إلى التفرُّق تعترض سبيل النظام. أيأتي العنوان قبل المُؤلِّف؟ أم يأتي الموضوع قبل العنوان؟ أم يأتي المُؤلِّف قبل الموضوع؟ دع عنك «فيلق الشتات»، أي الكتب التي تهيم في تلك الأنحاء أعوامًا في محاولةٍ لتجد مكانًا عصيًّا على التصنيف.

على مدى زمن طويل، لم تُرصَد للكتب مواضع مُحدَّدة في البيوت، بل إنها كانت تُخزَّن في الصناديق والعلب والخزائن، إلى جوار الصحون والأكواب وملاءات الأسِرّة والبدلات…

قال بورخيس إننا لسنا ما نكتب، بل ما نقرأ. وكم كان مُحِقًّا!

ولم تكُن تلك هي المرة الوحيدة التي أفضَت الكتب فيها إلى وقوع حادثة مميتة. فهذا عملاق الأدب العربي، الجاحظ، قد راح ضحية كتبه أيضًا. إذ قِيل إنه قد حاول أن يبلغ كتابًا على أحد الرفوف الثقيلة وهو في الثانية والتسعين من العمر، فسقطَت مُجلَّدات الكتب عليه وأردَته قتيلًا في الحال.

لا بدّ من الاعتراف بقدرةِ الكتبِ المُفاجِئةِ على الاستعمار، لأنها تحتلّ الرفوف واحدًا تلو آخر. وبعد أن تغمر المكتبةَ بالكامل، تغرس الكتبُ بذرتها سرًّا في مكان آخر بالمنزل، مكان سرِّي، يبعد عن المكتبة بصورة لا تفسير لها، ويبدو عصيًّا على البلوغ. يظهر أحد الكتب على الطاولة فجأةً. وما هي إلَّا أيام قليلة حتى يتكاثر، بسرعة مفاجئة. ثم تنتشر الكتب على الأرائك، وتحتلّ مساند الأسِرَّة والطاولات…

ذات مرة قال المُؤلِّف الفرنسي ميشال ويلبك، صاحب الأطوار الغريبة والشعر الأشعث: «مَن لم يقرأ حلَّت به لعنةُ الاكتفاء بهذه الحياة».

تؤاخينا القراءات المشتركة كما تفعل ذائقة الطعام، أو الانتماء إلى فريق أتليتيكو مدريد، أو الاصطياف في المكان نفسه على الساحل.

«بمكتباتهم يُعرَف الناس»، هكذا يقول البعض. وأنا على يقين من صحة ذلك. و«البيتُ هو المكان حيث يحتفظ المرء بكتبه»، كما كتب ريتشارد فرانسيس برتون

فترى محفوظ يقول: «أعطاني صديقٌ روايةً بوليسية، منذ هذا اليوم لم أتوقف عن القراءة».

فترى محفوظ يقول: «أعطاني صديقٌ روايةً بوليسية، منذ هذا اليوم لم أتوقف عن القراءة».

حوالي ألف مُجلَّد تتعايش في مكتب منزلي وحده، هناك حيث أعمل. لاحظ أنني قلتُ «مُجلَّدًا» ولم أقُل «كتابًا»، لأن لكلمة «مُجلَّد» وقعًا يشي بالثقافة! بدءًا من عمر بعينه، يكفّ المرء عن اقتناء «الكتب» ويبدأ في اقتناء «المُجلَّدات». أو «النسخ».

❞ «المكتبات حافلة بالأروقة والدروب السرية التي تفضي إلى مكتبات أخرى، للأصدقاء والأعداء والمعارف» ❝

❞ تتكلَّم الكتب، لا عن القُرَّاء الذين كُنَّا في حينه والقُرَّاء الذين صرنا إليهم فحسب، بل إنها تتكلَّم أيضًا عن القُرَّاء الذين أردنا أن نكون، فلم يتحقَّق لنا ذلك. ❝

❞ «البيتُ هو المكان حيث يحتفظ المرء بكتبه»، ❝

❞ البيتُ هو المكان حيث يحتفظ المرء بك ❝

❞ كما يرى المُفكِّر الأمريكي جورج ستاينر أيضًا أنه لا يمكن للقارئ أن يطالع كتابًا ما لم يكُن قلم الرصاص في يده، أو خلف أذنه. ❝

❞ الكتب مثل قطع الأحجية، فهي إما تلائم المكان حيث تضعها، وإما لا تلائمه، مهما سعينا جاهدين. ❝