اقتباسات أسامة عبد الرءوف الشاذلي

‫ ـ تُصلح «جرهم» من شأنها، فالناس تميل إلى العدل، فإن لم يجدوه، مالوا إلى القوة أملًا فيه، ولا خير في إذا قدمت القوة على الإصلاح، اسمع يا بني! اجعل نهجك في الحياة الإصلاح ما استطعت؛ فذاك هو نهج الأنبياء.

الإنسان ظالمٌ، جاهلٌ حين يظن النشأة بلا مُنشِئ، وأن السفرَ بلا مقصد، وأن الرحلة بلا نهاية!!

القدَرُ يا بني هو التدبيرُ بميزان الحكمة، واللّطفُ بميزانِ الرحمة، والتقويمُ بميزان العدل، وكل ما يقدِّره الله لنا يكون إما لحكمةٍ يدبِّرها، أو لطفٍ من رحمته، أو تقويمٍ لما أعوجَّ من أمرنا، ولذا وجب علينا الثناء على قدره في كل حال.

«لا يهان الذهب إذا لم يجد من يشتريه». أع

تفقد الزينة قيمتها في أوقات الشدة أو ربما تكن هذه هي قيمتها الحقيقية!

«إن لم تسعنا الأرض، وسعنا الزمان، وإن لم يكن الآن، فسيأتي أوان».

بعد أشواط ثلاثة، كان جسدي يدور في فلك البيت، وروحي تدور في فلكٍ أعلى وأرقى، شعرت بها تسبح في مراتب من النشوة غير مدركة للأجساد المحيطة بها، نشوة لم أشعر بها من قبل في صلاتي الساكنة، ووصلت ذروتها مع الشوط الأخير. من المؤكد أن للحركة صنيعها في تهيئة النفس للخشوع والاستسلام، تذكَّرت رقصات الأحباش الماجنة في صلاتهم أمام الإله (عثتر) وسقوطهم مغشيًّا عليهم من النشوة والمجون، كلاهما نشوة، ولكن شتان بين نشوة السقوط ونشوة الرقي!

ولكن شتان بين (شمعون) «التائه» في قادش وشمعون «المستيقن» في يثرب، عبر بي الشيخ (عابر) من منازل التيه، إلى منازل اليقين، وأدركت من الإيمان حلاوة، لم أذقها ونبي الله بيننا، أصبت الفطرة من الدين بعيدًا عن الزواجر والنواهي وتذمر بني إسرائيل، ورأيت الله يتجلى على عباده بقبسات من صفاته لا لشيء سوى التسليم والخضوع له وحده، أحببت الربَّ قبل أن أخشاه، واشتقت هذه المرة إلى رؤية أرضه المقدسة، لا لأحقق حلم أبي، ولكن لأشعر بقربي منه وطمعًا في أن تتنزل عليّ رحماته.

فأدركتُ أن الأثرَ في النفوس أبقى وأدوم. فكلُّ أثرٍ على الأرض زائلٌ، وكلُّ أثرٍ في النفْسِ خالدٌ خلودَ الروحِ حتى تعود إلى بارئها. سعيتُ للعيْش فردًا، فأدركتُ أن أجملَ ما في الحياة هو أن تستمرَّ الحياة. ولن تستمرَّ الحياةُ إلا إذا تقاسمتُها مع الآخرين. هذا ما سعيتُ له وأدركتُه. أما ما تمنيتُه يا بُنيتي، ولم أدركْه، فهو العدل. فالعدلُ مُتوَهَّمٌ في هذه الدنيا،

"بسم الله إله الكون" ‫ وبعدُ، فهذا ما أنشأه الكاتبُ (يوسف بن صدقة القيسراني)، إلى ابنته (دميانة بنت يوستينا) أكتب إليك يا بُنيتي وأنا أبحث عن أخٍ لكِ فقدتُه، ولا أعلم إن كنتُ سأعود بعدها أم لا ولكني رأيتُ أن أُحدثك بما سعيتُ له وأدركته، وما تمنيتُه ولم أدرِكْه، وليكن هذا عهدي لكِ يا (دميانة) سعيتُ لأن أكون إنسانًا يعرف ذاتَه، وقد عرفتُها بحثت عن جوهري، فأدركتُ أن جوهر الإنسان لا يحدّه جسدٌ، ولا بيتٌ، ولا وطنٌ، ولا دينٌ، ولا مذهب فحدوده كونٌ يحيط به، ومنتهاهُ إلى خالقٍ أبدعه وأنشأه واختارَ له الأرضَ موطنًا سعيتُ لأن أرى أثرَ أقدامي

وإنما معك في طيفٍ من النور يجمعنا في يوم من الأيام.

- أنتِ مثل أمي، قلبكِ أرضٌ بِكرٌ باقيةٌ على فطرتها، ومن يجدها يرفع رايتَه عليها ولا يرحل!

‫ - أوجاي، أي: كوني بعافية!

ولكني لا أجد مرادفًا لكلمة (أوجاي) في أية لغة، كلمات الوداع في اللغات الأخرى تدعو بالسلام، أو الخير، ولكن هذه الكلمة تدعو بالعافية. أتدرين ما العافية؟

‫ لم ترد، غاصت في عينيه العميقتين، وتمنّت ألا ينقطع عن الكلام. فتابع:

‫ - العافية اسم يجمع بين السلامة، والصحة، وأيضًا الخلاص. المسلمون في دعائهم يسألون ربهم العفو والعافية، والقبط يتمنونه لبعضهم البعض كل يوم. ولهذا أحب هذه الكلمة.

- الرُّوح سرٌّ من أسرار الله يا بني، لها سجد الملائكة، وعليها انطوى سرُّ الحياة. هي نفخةٌ مباركةٌ من رُوحٍ قُدُسٍ يتشاركها بنو آدم، وهي طاقةٌ لا تفنَى حتى تعود إلى مصدرها.

أراكَ في اليقظة وأراكَ في المنام، رأيتكَ وأنا طفل، وبحثت عنكَ طويلًا وأنا رجل! ‫ - لماذا تبحث عني؟ ‫ - لأن روحي معلّقةٌ بك منذ عمّدتني في البحر ‫ صمت الشيخ قليلًا، ثم قال في الهدوء ذاتِه: ‫ - لا أفهم ما تقول ‫ ارتجف جسده، وهو يقول: ‫ - صدقني أيها الشيخ، أنا لا أهذي ‫ قال مبتسمًا: ‫ - مَعاذ الله! ولكن ربما كانت روحُكَ تبحث عن شيء أكبر ‫ - كلا، بل كانت تبحث عنك أنت ‫ ربّت على كتفه كي يُهدئ من روعه، وقال: ‫ - الرُّوح سرٌّ من أسرار الله يا بني، لها سجد

الأرواح لا تبحث عن بعضها يا بني، وإنما تبحث عن مصدرها!

‫ - وأين مصدرها؟

‫ أشار بسبابته إلى السماء:

‫ - هناك!

‫ - أريد أن أرافقك!

‫ - لست بحاجةٍ إلى رفقتي، أنت تبحث عنه هو!

‫ - كيف أصل إليه؟

‫ - الوصول إليه سهلٌ يسيرٌ؛ تحدَّثْ إليه وسيسمعك!

‫ - ولماذا تركني حائرًا عمرًا بأكمله؟!

‫ - أعطاك نفخةً منه تمنعك من الحيرة، وتُنير لك الظلمة!

‫ - أريد أن أخاطبه الآن!

‫ - تهيَّأ للقائه، ولا تتردد!

‫ - كيف أتهيَّأ؟

‫ - انتظر.

فجأةً، هبطت حمامتان، إحداهما سوداء كبيرة والأخرى بيضاء صغيرة، ووقفتا فوق القبة إلى جوار الأولى. اتسعت عيناه من الشوق، ونظر نحوهم في هيام، ثم قال بصوتٍ متهدّج:

‫ - يا الله! ما أجمل اللقاء بعد الفراق!

اليومَ سأهدِمُ أصنامي

‫ أُمزِّقُ شَرنَقتي

‫ أُغادِر جَسدي

‫ ويسطرُ قلمي أقداري

‫ اليومَ سأبسطُ أجنحتي

‫ فوقَ غيومِ الشكِّ

‫ وخلْفَ سِجافِ الغيب

‫ سأُبصِرُ كلَّ الأسرارِ

ورعاني جَنينًا وصبيًّا ورجلًا

‫ أبحثُ عنه وهو بقُربِي

‫ أستوحشُه وهو أَنيسي

‫ أشهدُ أنَّ كلَّ انتماءٍ لغيرِه باطل

‫ وكلَّ مذهبٍ لا يدعو لحُبِّهِ باطل

‫ وكلَّ هوًى يَحيدُ عن هَواهُ باطل

‫ فهو الهَوَى، والهَوَى ه