اقتباسات دعاء إبراهيم

لم يرفع هابيل عينيه نحو جسدي. أَلِفتُه زاهدّا فيه وفي الدنيا. أما قابيل فكان له عينان عاشقتان تغمزان لي فأنصهر داخل ابتسامته المرحة.

هكذا الأشياء المتفردة ترحل سريعًا وتبقى بلا اسم.

عد كاسات بلا عدد، رأيت الصخرة الضخمة، الأرض الواسعة، جسد البنت البَضّ الناعم داخل جلد حيوان خشن. الأرض/ الزنزانة خالية من وجوده. أبكي رحيله المفاجئ. معه وحده لا أبحث عن جسدي، لا يشغلني الألم والمتعة. فقط، أبحث عنه كأنه كل ما أملك، أو كل ما

إنك الآن حي ومبتسم!

أدمنت المهدِّئ الذي يخلق قابيل بين عينيَّ. صنعت منه توليفة أخرى؛ ثلاثة أقراص وكأسين من "الساكي". أغيب به في عالم آخر. أستعيد اللحظات التي مرقت بيني وبينه كأنها حلم وددت ألا ينتهي.

‫ - تومودا سان ستموت قريبًا. يكفي هذا.

همس قابيل في أذني:

‫ - لقد قتلت من أجلكَ!

‫ - من أجلي أنا؟!

علمت يومها أن خالي محصن ضد الخطأ،

قبل أن أخرج، لمحت طفل المستشفى الذي لم يَعُد محظوظًا، أسفل سرير تومودا. عيناه تحملقان في وجهي!

❞ أخطأني الموت، ما زال هناك فرصة للغد ويأتي الغد، وتمر الأيام دون موت ودون حياة أيضًا. ❝

❞ ما أسوأ أن يُشعرك أحدهم أنك شيطان! ❝

كل الأشياء المفزعة تصبح معتادة مع الوقت.

لا أحد يكترث لهذا الموت الكثير.

طوال الوقت تحاول أن تنجو. تأكل لتنجو، تتكاثر لتنجو، تسبح لتنجو. ثم بعد كل محاولات النجاة تفشل في الشيء الوحيد الذي تجيده. الشيء الوحيد الذي تعيش من أجله. تفشل في أن تنجو، فتموت.

نعم كبرت ودفعت ثمن ذلك كأنه ذنب أو لعنة، أو ربما أبسط من ذلك بكثير، تسلية.

اكتشفت أن التحليق لا يحتاج لأقدام سليمة، ولا حتى لإرادة واعية. أُساق كما يُساق الجميع نحو قدر مبهم.

ما أجمل الموت الذي يهبنا ما لا تقدر عليه الحياة، الذي يخلصنا حين يأتي في وقته تمامًا، في اللحظة التي نتمناه فيها.

أن يصبح للألم سلطة تدغدغ شفتيكَ، وينفر لها قلبك، وتنتصب لها بصيلات شعرك، تحس برعشة تنتقل بين مَسامِّ جلدك، تجعلك في كل مرة تنتظر الألم، ترغبه، تتأمله، تناجيه، تستأنس به، تُشهده على انصياعك التام، كل خلية من خلاياك تشهد بعظمته، تصرخ حين تتألم كأنك تعترف بخطاياك، تتحرر من ذنوبك، من ضعفك، من فشلك في النجاة، تنتظر الألم كأنه منقذك الوحيد والأبدي.

للألم مراحل كثيرة مرهونة دومًا بالوقت. أول الألم الإنكار وآخره الإذعان. تنكر أن شخصًا قادر على إيذائك. وحين ترى صورتك معكوسة داخل عينيه تبدأ في التصديق، بعدها تحاول يائسًا أن تقاوم، وحين تفشل تتقبل الإذعان كحل مناسب للحفاظ على ما تبقى منك. لكن المرحلة ما بعد الأخيرة هي أن تتشرب هذا الألم، تبتلعه بنهم، تتركه ينمو داخلك كائنًا صغيرًا، سرعان ما يكبر وينفصل عنك، أن يصبح للألم إرادة حقيقية، مستقلة.

يبدو أننا دومًا نتمنى ما لا نملكه

تعلمت أن أنجو حين استسلمت للدور الذي كُتب عليَّ.