اقتباسات حمدي أبو جليل

‫ ربما لو مات سيف فعلًا لكان أنقذ نفسه من النسيان، مثل جذوة النار التي تنقذ البدوي من التيه في الصحراء، وربما حكيت سيرته بطريقة تتمتع بذلك النوع من المهابة والتبجي

سهلة للخلاص من خطر ما، الموت هو غاية كل خطر، وهو في نفس الوقت الوسيلة المثلى للتصالح مع الأخطار.. أن تدهمك سيارة مثلًا أو رصاصة طائشة أو مخدر قوي.. فهذا أريح كثيرًا من الارتجاف أمام

سكنت في تلك المنطقة وأنا أحافظ على نوع من حُسن السير والسلوك والطيبة، وربما الزهد والبلاهة، أستعين به على خوفي من جيراني في البيت، فالإنسان الممعن في البلاهة هو الذي يطمئن إليه الجميع، ويضعونه بحرص شديد خارج دائرة صراعهم.

جمهور قاسٍ، جمهور متحفز ضد كل ما لا يتوقعه. فلو أن كهلًا تمرد على تمثيل دور الوقار والحكمة وتصابى قليلا احتقرناه وسخرنا منه، ولو أن أطفالنا خاصموا البراءة والسذاجة وتخابثوا بعض الوقت استربنا فيهم، ولو أن شابًّا دفعته مواهبه لتأد

فأحبذ شجارًا آخر. شجارًا دمويًّا يُعجل بعداوة أبدية أضمن بها أمني وتحرري من أطياف خوف دائم من اتحادهم عليّ، خوف فطري ما غادرت النجوع إلا فرارًا منه، وإذا بي أجده الضمان الوحيد لسلامتي بينهم.

سببه الخفي هو الصراع على زعامة البيت، والمُعلن هو الاختلاف حول كيفية معالجة جنون سيف الذي مرّغ سُمعة العائلة الكريمة في العار. شجار عادي لا يقطع أو

.

‫ أبو جمال طيب وجمال طيب وأنا أيضا طيب.. وعلى العموم كل الناس طيبون.. ولكن ثمة خطأ بسيط في المبدأ. هما يعشقان شجارًا يوميًّا لا يتعدى السباب والبصق وشهر الأسلحة، سببه الخفي هو الصراع على

شيء مندفعًا. الماضي للخلف وللنسيان، والحاضر للماضي، وحياتنا لنهايتها المحتومة، ولكن تكرار معارك هذا البيت جعلني أشك في ذلك، بل وأتأكد عن قرب من إمكانية عودة الماضي، ومن أن حياة الواحد ما هي إلا مجموعة من المشاهد المكررة.

ودة وقضاء الوقت على أي مقهى حتى ينتهي جمال من معاقبة والده على الكذب (فقد عاد سيف سالمًا بعد أن زعم أنه شرب من دمه في إحدى الخرابات)، ولكن الشخصية الروائية التي اخترتها لنفسي حالت دون ذلك، فكيف لها أن

متناهية. شاي أم جمال في يده اليمنى باعتباره طيبًا، والسيجارة في اليسرى باعتبارها خبيثةً.. وينتظر ما أعد له جيدًا، متنمرًا على أي وجه غريب عليه، وج

وإن انكسرت ذراعه حمد الله على سلامة رقبته، وإن مات ـ لا قدر الله ـ يواصل أهله حمد الله على أنه مات شهيدا، وإن فوجئ بإحالته للتقاعد في سن مبكرة يكتشف أن ذلك جاء في وقته لإتمام مشروعات أهم!

والعشرين من عمره ليكون أول العمال المستفيدين من قوانين التأميم التي دشن بها الزعيم ثورته، ثم إحالته للتقاعد في الرابعة والخمسين ليكون أول العمال المستغنى عنهم بسبب قوانين الخصخصة.

وفي الحقيقة إن جلافته رغم ثقلها كانت ـ عكس الشائع ـ السبب الوحيد في توطيد علاقتي به، فالجلافة نوع من عدم الإدراك، وعدم الإدراك في جانب منه، بل لعل أهم جوانبه: البلاهة إذن هو أبله.. جميل

يحمل عينين تُلحان على أنه لم يشبع مطلقًا.. باختصار وهربًا من إخفاقي المتوقع في حرفة الوصف سأعلن الحقيقة: ملامح أبو جمال هي الملامح التقليدية للإنسان المكروه، تلك الملامح التي صورَتها الأفلام العربية القديمة وكأنها إعلان وحيد

قاطع على قوة غاشمة، وجهه مُتورد رغم أنه يحمل عينين تُلحان على أنه لم يشبع مطلقًا.. باختصار وهربًا من إخفاقي المتوقع في حرفة الوصف سأعلن الحقيقة: ملامح أبو جمال هي الملامح

المحتومة، ولكن تكرار معارك هذا البيت جعلني أشك في ذلك، بل أتأكد عن قرب من إمكانية عودة الماضي، ومن أن حياة الواحد ما هي إلا مجموعة من المشاهد المكررة.

حاضر حياتنا هو قطار نركبه، وماضيها تلك المشاهد والشخصيات التي تتوارى بمجرد اندفاع قطارنا من جانبها، ومن فوق مقاعدنا يكون كل شيء مندفعًا. الماضي للخلف وللنسيان، والحاضر للماضي، وحياتنا لنهايتها المحتومة، ولكن تكرار معارك هذا البيت جعل

في أعماق كل منا ممثل مسكين يؤدي دورًا واحدًا طوال حياته. دور محدود بظروف العمل والأسرة واللياقة والتقاليد وضمائرنا التي لا ترحم، دور علينا في سبيل إتقانه أن نعيش كأقنعة ولا نكف عن قمع رغباتنا الحقيقية فجمهورنا وهو منا (فداخلنا

علاقاته المتعددة بكبار المسئولين للتعجيل بدخوله المستشفى دون انتظار الكشف عليه، لذلك عبّر عن سعادته باختفاء سيف بسهرة «بانجو» استمرت حتى الصباح، ونابني منها ثلاث سجائر

البيت بما فيهم زوجتي كانوا يتحدثون صراحة عن جنون سيف، ولكن جمال هو الوحيد الذي نقل الخبر إلى السلطات المختصة بالمجانين، وجنّد علاقاته المتعددة بكبار المسئولين للتعجيل بدخوله المستشفى دون انتظ