المقاعد الخلفية > مراجعات رواية المقاعد الخلفية > مراجعة ناصر اللقاني

المقاعد الخلفية - نهلة كرم
تحميل الكتاب

المقاعد الخلفية

تأليف (تأليف) 3.7
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

المقاعد الخلفية ... وأنصاف المعاني

أدخلتنا رواية "المقاعد الخلفية" للكاتبة والأديبة "نهلة كرم" في ربوع وجدانية واسعة ودهاليز نفسية عميقة، وغمرتنا بأمواج ناعمة، شهدنا في الفصول ستين موجة إنسانية، أو دفقة حسية مفعمة بالنزق والعبث والارتباك والتَوَجُّس، وكان الخوف من الارتباط النهائي والمواجهة الكاملة هو المحرك لكل الأحداث.

أحبت "سلمى" الجلوس في المقاعد الخلفية؛ المقاعد الخلفية في فصول المدرسة وقاعات السينما وأتوبيسات السي تي إيه، وكل المقاعد الخلفية في الحياة، فالمقاعد الخلفية هي المكان الآمن، حيث تكون بعيدة عن المواجهة وغير مضطرة لاتخاذ قرارات، وحيث تكون هي من تراقب الآخرين وتصدر أحكامها على كيفية مواجهتهم للحياة، وحيث يتوفر قدر من الخصوصية والحرية واختلاس المتع العابرة.

من يجلسون في المقاعد الأمامية سيكون عليهم أن يتخذوا قرارات الاختيار والارتباط والتجربة وباقي أفعال الحياة، والأهم سيكون عليهم مواجهة تبعات القرارات الخاطئة أو حتى السليمة، وهو الأمر الذي كانت سلمى تخشاه.

في الفصول القصيرة المتتابعة، والمنسابة بعذوبة أدبية فائقة، وبلغة سلسة ونشطة ومتدفقة، وبصوت سلمى المرتبك ومداخلات الأخريات والآخرين، عرفنا كيف أثر على تفكير سلمى وحياتها تلك العلاقة العابرة مع مدرسها في المدرسة الثانوية وكذلك شجارات والديها ومخاوف صديقاتها، وشهدنا سلسلة من العلاقات غير المكتملة لسلمى وآية وريهام ومنَّة.

كانت انعكاسات مخاوف صديقات سلمى النفسية تلقي بظلالها على نفسها، عدم ثقة آية في الرجال، وخشية ريهام من الانفصال المتكرر، ومعاناة منَّة من أنانية أمها.

بدايات كثيرة ومتعددة ولكن بلا نهايات، كانت كل الحكايات غير مكتملة، فالاكتمال يحتاج إلى قرارات؛ اكتمال العلاقات يحتاج إلى قرار، إنهاء العلاقات يحتاج إلى قرار، نضوج الأفكار والمشاعر يحتاج إلى قرار، جلاء الحقائق يحتاج إلى قرار، حتى مجرد التخلص من الكراكيب يحتاج إلى قرار.

كان الخوف من الألم هو مبعث كل رفض؛

❞ أعرف أني أجهل ما أريد! لكن الشيء الوحيد الذي أدرك أني لا أريده هو الوجع ❝

وكان الخوف من النتائج هو مبعث كل تردد؛

❞ أكثر الروايات رومانسية لم يجرؤ مؤلفها على كتابة حرف واحد بعد تزويج أبطاله ❝

في فصول "آية" و"منَّة" و"ريهام" كانت سلمى تمارس الحكمة المزعومة وتمارس القلق وتمارس النزق، وعندما ظهر "رامي" في حياتها انقلبت موازينها، شعرت أنها تريده، وعندما عرض عليها الزواج كانت تتمزق بين الجاموفوبيا (رهاب الزواج) والأنوبتافوبيا (رهاب عدم الزواج)، كان يكفيها أن تشعر بنصف أمان ونصف حلال ونصف استقرار، بدأت اللعبة بهذه الشروط، كان والديها وأم رامي وحارس السينما من أدوات اللعبة، لعبة المغامرة والإثارة، واختلاس المتعة، لعبة أنصاف المعاني.

في هذه الرواية، قدمت لنا نهلة كرم السهل الممتنع ببراعة، لم نشعر بطول صفحات الكتاب التي تجاوزت الأربعمائة، كنا نقرأ كل كلمة وكل عبارة بشغف ومتعة، وكنا نتابع كل حدث وكل حكاية بتشوق واستغراق ومحاولة لفهم ما يدور بداخل سلمى، كانت اللغة سهلة ومنسابة، وكانت العبارات قصيرة ومتدفقة، وكانت المفردات جذَّابة ولامعة، وكانت الفصول صغيرة ورشيقة، تسري في دوائر متتابعة، ثم تنزلق مُحَمَّلة بالحكايات والمشاعر والأفكار والمخاوف.

في النهاية، بعد أن تشتد الضغوط على سلمى وتضطرب الذاكرة ثم يعود التوازن، هل ستقرر أن تكمل أنصاف المعاني لكي تمتلك المعاني وأنصافها عند اللزوم، وهل ستقرر أن تنتقل إلى المقاعد الأمامية كي تبدل بين المقاعد الأمامية والخلفية حسب الحاجة، وهل ستقرر أن تبدأ في ممارسة الحياة الحقيقية، قبل أن تتحول الحياة نفسها إلى حكاية غير مكتملة. 

□□□ وختاماً ...

بقي أن أشير وأشيد بروعة الثلاثية السيكولوچية البارعة للكاتبة نهلة كرم (على فراش فرويد - المقاعد الخلفية - خدعة الفلامنجو) التي أبدعت في التعبير عن بنات جيل ورسم ملامحه النفسية، جيل عاش ويعيش في مفصل زمني حاد بين جيلين؛

بين جيل أسبق عاش حياة نفسية واجتماعية بسيطة بعلاقات ومفاهيم مستقرة وموروثة من أجيال سبقت، وكانت معاناته الأهم تتمثل في الأزمة الفكرية والثقافية التي ضربت المجتمع في سبعينيات القرن العشرين،

وجيل تالي ولد في أحضان ثورة الاتصالات والمعلومات والسوشيال ميديا وانقلبت عنده كل المفاهيم والمعايير، وما زالت ملامحه النفسية والاجتماعية والفكرية في مرحلة التشكيل. 

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق