اقتباسات من كتاب خريدة القاهرة

إذا سِرتَ يومًا في الغورية ووصلت إلى باب زويلة، فسيكون عن يسارك حينها سبيل نفيسة البيضا، هنا كان يُباع الصابون، وهنا كان العسكر يتحلَّقون حول السبيل ليمنعوا غيرهم من الشراء، قبل أن يستولي الباشا على صابون البلد بأكمله!

في هذا الشارع، الذي أصبح اليوم جزءًا من شارع بورسعيد، أتنسَّم روح محمد أفندي طوبال الودنلي تسري حيث عاش. كيف لا وقد وصفه «الجبرتي» بأنه «المهذب في نفسه، النادر في أبناء جنسه»، وأنه كان أحسن من رأى في دولة محمد علي باشا كلها! 

وصمَّم له مهندسوه نظامَ ريٍّ خاصًّا يناسب كل نبات على حِدة والأعجب أنه قد اصطنع حديقة حيوان مفتوحة، فجلبَ لحدائقه الغزلان والطواويس وطيورًا من كل شكلٍ ولون، في حين كانت للحيوانات المفترسة أماكنها المنفصلة، بعضها للفهود والأخرى للنمور.

القلعة ذاتها لم يكُن لها وجود وقتها! ‫ كانت جدران القصرِ مطليَّة بماء الذهب، وكانت صور «خمارويه» وهو يعبث مع جواريه مرسومة على حوائطه في كل مكان، أما حدائق القصر فكانت قصة أخرى، فقد استجلب «خمارويه» شتلاتٍ لكل ما قدر عليه.

ورث حكم دولة شاسعة عن أبيه أحمد بن طولون، فغدا حاكمًا لمصر والشام بين عشية وضحاها ‫ ومن ضمن حسن الطالع أن «خمارويه» لم يتورط في حروب كثيرة، وهو ما جعله متفرغًا تمامًا لحياة العز والبغددة، ظانًّا أن حكمه سيستمر إلى الأبد.

لا تتعلق هذه المذبحه بتدين المصريين بقدر ماتتعلق بالكيفيه التي يتعامل بها الناس مع الدين وكيف يصنعون منه نسختهم الخاصه التي ترضي احتياجاتهم ورغباتهم مهما كانت عنيفه ولا عقلانيه

روح الأماكن هي حكاياتها وذكريات مَن مرُّوا بها، من دون أن تستشعر هذه الروح ستغدو الأماكن كلها مسخًا واحدًا عديم الشكل، مجموعة من الحجارة القديمة لا أكثر، مجرد صورة باهتة على «كارت بوستال» قديم!