اقتباسات نجاة عبد الصمد

ليتك لم تنسّ كيف ربّاك جدي فارس بالحبّ، أو شاورتَ قلبك؛ لكنتَ سمحتَ لنفسك أن تحبني، لأدركتَ أنّ العبادة والشغل ليسا أهمّ من الإصغاء إلى أولادك

منذ استرقتُ السمع إليك تعظُ عمي أبو كنج: المحبة لله وحده. لا حقّ للأب أن يحبّ أولاده، يُشفق عليهم فحسب. تعاليم سقطتْ أحجاراً أولى على رأسي، هرستْ يقيني بحبّ أبي. من يومها فارقني اليقين في أن يحميني أحد.‏

سيّرنا حياتنا على تعاليمها الباطنيّة التقيّة؛ أخذُ الحذر تقيّةٌ تفشّت إلى صغائر يوميّاتنا؛ من إخفاء معتقداتنا عن باقي الشرائع، إلى حجب معرفتها عن الدروز الجُهّال بحجّة عجزهم عن استيعابها، إلى تقيّة أن تطلب مني أمي التظاهر بالنوم أمام أختي دعاء الصغيرة، أكذب عليها لتغفو، وأُكافَأ على كذبتي بمشوار، إلى إسلامي خدّي للضيوف، يسيل لعابُهم على وجهي وأفوز بلقب (بنت مؤدّبة)، إلى تنظيف البيت، لا لأنّ تنظيفه حاجة، بل كي لا ينتقدنا الضيوف إن جاؤوا على غفلة، إلى كرَمَنا بإطعام الضيوف حلوى نحجبها عن أطفال البيت، إلى حجب الأطفال أسرارهم عن الأهل، إلى انقصاف روح أحمد ابن عمي إثر مزحةٍ

سليلو جبالٍ نحن، صاغتْنا من قلقٍ وخوف. من فرط ثقل الرسالة لم نرفع رؤوسنا عن كتب الحكمة.

لم أعبر إلى هذه التفاصيل الفائضة. سبقها حبلُ رقيبي الداخلي: هل ترتضي سبيل حسن رافع لنفسها بارتكاب مخالفةٍ في بلاد السوفييت التي تعلّمها وتُربّيها؟. وأية مخالفة؟! تهريب ثروة!. وهل سترضى ابنة سوريا، لقاء عمولةٍ سخيّةٍ، بإنقاذ ثروةٍ مبهَمة لمُزيّنةٍ تكتشف للتوّ أنها يهودية، قد تكون من سلالة شايلوك الطمّاع، وفوق ذلك إسرائيلية الهوى، وتوصِلها بسلام إلى إسرائيل التي لا يعرف السوريون لها اسماً سوى فلسطين؟‏

يعذّب الرغيف بلادنا حدّ أن يغدو هاجساً، لنُسمّي عمرَ ما قبل المدرسة: صفّ الخبز،

ليت الرقص أمكنني قبل اليوم.. لو رافق أبي اللاتين، لربما أفرج عن رقّة طبعه وسرّحها بيننا وعلّمنا ألا نخاف.‏

ميخائيل نعيمة: (جهل المرأة من جهل الرجل، وجهل الرجل من جهل المجتمع، وجهل الطفل من جهل أمه).

لن تذبل عيناي ما دام في الدنيا ميخائيل نعيمة وجورجي زيدان وحنا مينة والأخوات برونتي وتشارلز ديكنز وهمنغواي. تسخر بنات الصف مني أنا (دبّة الكتب)،

أتخيل سراج ميخائيل نعيمة هو ذاته قنديلنا المعلّق إلى الجدار، يبثّ خيوط الضوء حُزَماً، يحطّ بعضها على شفاه أمي، يضيئُها وهي تنشد، وتعيننا على البرد وعلى حفظ الكلمات غيباً، وإلى الأبد.‏

(سقف بيتي حديد، ركن بيتي حجر. من سراجي الضئيل، أستمدّ البصر)

"أنتَ خيّر.. توقف عن شرب الخمر وتُب واستلم دينك" قال: "حلّوا عني انا وربي متفاهمين..".‏

‫ ‏مات الرجل أعزب، وعلى عهده بالفقر وشرب النبيذ. كان أوّل من سيدفن في المقبرة الجديدة. سألوا الشيخ التقيّ: "والآن، ما قولُك"؟!‏

لو يصغي الشيخ حسن لما أفكّر: ورعهم الظاهر كذبة. حفظتُ عند الستّ البتول ثلاثةً من كتب الحكمة وما قالت لي مرةً مرحى! وأهانتني حين لم تذق زادنا، ظلّت تراني ابنة الشيخ الغريب الفقير.

كيف يختار الانتماء إلى جماعة هلِعين من بدعٍ تشقّ صفّهم الآمن المطمئنّ بطاعته لله؟ يحفظون مقولة الحكمة: (لا تَهدِ مَن أحببتَ إنّ الله يهدي مَن يشاء)، ولا يتركون لعقول أبنائهم أن تختار ما شاءت.

"هذا الكاتب مفكّرٌ ومؤمنٌ يا أبي، يكتب تجربته، كيف توصّل إلى معرفة الله..".‏

سوف أكبر وأفهم أنّ القراءة علّمتني من يومها معنى الكفاح، أن أفاضل بين متعتين لأختار إحداهما وأدفع ثمن اختياري.‏

السؤال يُفسد الطاعة.‏

أسمح لجميع الثقافات أن تدخل بيتي، ولكن أنكر واحدة منها: تلك التي تقتلعني من مكاني).

ألم تنتبه يا أبي، وأنتَ تصل أرحامك البعيدة، إلى أرحامٍ تقطّعتْ في بيتنا؟‏

أرأيتَ يا أبي؟ لا تحيا شجرة العائلة لمجرد سقيها بالنطاف. تحيا بمن يسقيها بالحب