اقتباسات إبراهيم شلبي

المجموعة الثالثة، والتي تضم الأبناء الأكبر سنًا فسيقيمون في حافلة والدي، التي كان يستخدمها في نقل موظفي أحد المصانع، بعد أن أزال بعض مقاعدها ووضع مكانها فرشات .

لمحت عمتي فاطمة جوازات السفر، فسألته بصوت مرتجف: «ستسافرون؟»، أجابها بصوت تخنقه العَبَرات: «والله على عيني يا أختي ليس عندي اختيار آخر» ‫ ربتت على ذراعه وقالت: «معلش يا أخي. هذا قدرنا ولعل الله يُحدث بعد ذلك أمرًا» ‫

أنا فلسطيني قلبًا وقالبًا.. دمي ومزاجي وفكري فلسطيني.. لم أشعر يومًا بأنني أمريكي ولم أفتخر بذلك.

فتلقَّاها الرجل مندهشًا وقال لي: «لا يمكنك مجرد البقاء هنا. فهذا هو المقرر للأطفال الذين ماتوا على الفطرة قبل أن يكلَّفوا» ‫ شددت قامتي وأجبته: «لا أريد أن أقضي الفترة إلى يوم القيامة في روضة أطفال بالجنة، فأنا لست طفلًا. تعديت الحادية عشر من عمري.

أجابني: «أنتم في الجنة. وسوف تنعمون على هذا الجبل بفضل الله، يكفلكم خليل الله إبراهيم عليه السلام وزوجته سارة، حتى يردكم إلى آبائكم يوم القيامة» ‫ قلت معترضًا: «لا أريد الذهاب»، ثم مددت ذراعيّ بنضال قائلًا: «يمكنك أن تأخذ شقيقتي ...

وعلى يساري أُسجي جثمان والدتي وعلى صدرها جثمان نضال وفجأة انقشع الضباب ورأيت وجه أخي نصر وقد انحنى فوقي ونظر إليّ بابتسامة حنون، وقال لي مشجعًا: «انطق الشهادة يا جهاد. ردد خلفي: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله

وجه أمل الذي اختلطت فيه الدموع والدماء بالتراب الذي تحوّل إلى طين غطَّى ملامح وجهها الجميلة أما نصر، الذي لم يبلغ العاشرة من العمر، فكانت نظراته مثل نظرات رجل ناضج. أهرمته صفعات القهر والظلم والأسى كان ينظر إلى أفراد أسرته .

سيجرفُكَ السَّيْلُ سَيْلُ الدِّماءِ

‫ ..

‫ ويأْكُلُكَ العَاصِفُ المشتَعِلْ

‫ أبو القاسم الشابي

إهداء

‫ إلى أخي العزيز خالد أبو علوان وعائلته الكريمة

‫ رحم الله وتقبَّل مَن ارتقى..

‫ وحمى وصَبَّر مَن بقيَ

«هل تعلمين يا جنى كم طفلًا استُشهد خلال الأسبوعين الماضيين منذ بداية شهر ديسمبر؟ ثمانية وتسعون طفلًا استُشهدوا بسبب الجوع في غزة».

ولن أنسى ما قاله مؤمن الشرافي بأن آلة القتل لم ولن تثنيه عن نقل الحقيقة واستكمال واجبه الوطني والإنساني تجاه غزة، وأن التغطية لا تزال مستمرة. نعم.. التغطية لا تزال مستمرة..

وركّز معتز نظراته في عينيّ وقال لي: «وضعنا مأساوي لأبعد مما تتخيل يا ميسرة. تذكر أننا لسنا عبارة عن محتوى للمشاركة، نحن شعب يُقتل.. وقضية نحاول ألّا تُمحى من الوجود».

ووقف وائل الدحدوح شامخًا أمام الكاميرا موجهًا رسالة تحدٍّ للاحتلال الإسرائيلي.. قال لهم: «نعم عاقبتموني بقتلهم.. ولكنكم لن تستطيعوا إيقافي عن فضح جرائمكم.. قنابلكم تزيدني إصرارًا على مواجهتكم بالكلمة والصورة..

لم أستطع أن أصدق.. كل أهلي قد استُشهدوا، عدا جدي الذي لم يتحمل قلبه الضعيف الصدمة، فأصيب بأزمة قلبية حادة.. ويرقد الآن في المستشفى بين الحياة والموت. أهذا واقع أم كابوس ثقيل سأستيقظ منه؟

يقول الصهاينة إن الغرض من حربهم على غزة هو القضاء على المقاومة.. والله إنهم مخطئون بل وأغبياء، فقد خلقوا أجيالًا من الفدائيين الذين من الصعب أن ينسوا أو يتسامحوا..

فكرت فيما قاله أبي وأنا صغير؟. لا أتذكر متى كنت صغيرًا. فالأطفال الطبيعيون يمرون بمراحل الطفولة والصبا والشباب فالرجولة، أما أنا - وتقريبًا كل أطفال فلسطين- فقد قفزت من الطفولة المبكرة إلى الرجولة في وقت قياسي، ولا أشعر أبدًا بأنني

لم أكن أتخيل في أسوأ كوابيسي أن أرى أبي. أحد أكبر رجال الأعمال بخان يونس وزوجته سيدة المجتمع الأنيقة يقفان في صف طويل بإحدى مدارس هيئة الإغاثة ليتسلما كيسًا من العدس وكيسًا من الفول وزجاجة ماء. لقد ساوت الكارثة بين

عرفت قيمة الأشياء التي نعتادها ونراها مسلّمًا بوجودها.. عرفت نعمة أن تدير الصنبور فتنساب المياه على جسمك.. أو تضغط على زر فتمتلئ الغرفة بالنور.. عرفت قيمة الستر والدفء والأمان تحت سقف يعلوك وحيطان تحيط بك وباب يسترك..

كانوا يقضون يومهم في نبش الركام باحثين عن أي متعلقات تفيدنا أو تحيي ذكرياتنا في بيت الطفولة الجميل. لا تتخيلوا فرحتهم عند العثور على لعبة أو قميص أو حتى منشفة كانت حياتنا صعبة. وكل تفاصيلها مؤلمة. عرفت قيمة الأشياء التي

خرجت من لقائي بالبطل محمد عليوة بدرس مهم.. الإعاقة ليست فقدان طرف.. بل فقدان الإرادة. وقياسًا على ذلك فهمت معنى روح التحدي الفلسطيني، مهما فقدنا من أرواح وممتلكات.. وعانينا من ويلات الحروب.