يقولون أننا مانؤمن به، ولكن الجدة حليمة لم تؤمن في مقتبل عمرها بأن النداهة إذا ماتراءت لأنثى ما فلابد وأن تلاحقها فضيحة عظيمة، أو ربما كان تمردها الظاهر ليس إلا نوعا من الرعونة التي يقترفها الغالبية من البشر في مرحلة الطيش والتهور، وإلا فلم لاحقتها الفضائح في كبرها؟

هذه الرواية تنطوي في صفحاتها على أوجاع إجتماعية، ونقائص توعوية، والكثير من الظلم والقسوة اللتين نرضعهما صغارا من أثداء فكر مجتمعي ملوث ضد الإناث في مختلف أعمارهن وكأننا نعيش في جاهلية لم تنته في عقولنا حتى بعد أن وأدها الله نهائيا، لازلنا نقترفها في كل يوم بل ونفتخر بممارستها كذكور، إلا من رحم ربك، وكأنها تاج الرجولة والشرف..

#محمد_عبدالرازق يفتح النار لربما يفق كل غاطّ في سبات عميق من غيبوبته، من خلال قصة (ياسمين) الطفلة التي تسير أولى خطواتها في طريق الأنوثة، لم ينته خراط البنات بعد من كامل عمله مع جسدها، لم يضع لمساته النهائية عليها لتكتمل عروسا تخلب الألباب وتستقطب الرغبات، طفلة أنهكها قيظ الصيف وهي تجلس وحيدة في شقتهم الصغيرة البسيطة، فقررت ان تخلع عنها عباءة المنزل وتنام بسروالها الداخلي القصير والفانلة على الأريكة المجاورة للشباك، علها تحظى ببضع نسمات تخفف عنها وطأة الحر. طفلة كان فعلها الفاحش التي استحقت عليه القتل، أنها شعرت بالأمان بين جدران بيتها وتصرفت ببراءة الأطفال وسذاجتهم لتستيقظ على نفسها معلقة بين كفي والدها وهو يعتصر عنقها خنقا فلم تستطع أن تفهم أو أن تجيب، حتى غادرت روحها جسدها الطاهر، بينما نجا أخاها (الذكر) بفعلته.

الرواية على عكس اسمها مليئة بسواد على مد البصر، كلما كشف الكاتب عن حقائق الأمور، كلما أظلمت النفوس كمداً.

الحزن الصارخ في سطور وفصول الرواية، ليس فقط على قدر الطفلة ومصيرها، وإنما على مجتمع كامل، على إبادة جماعية شديدة القسوة للنساء خاصة في المجتمعات الشعبية والقرى وهي تشكل الأغلبية في مصر.

أبدع #محمد_عبدالرازق في رسم الحكاية وتضفير الأحداث، خطها منذ لحظة البداية بمشهد الأب والأخ والخال مصطحبين جثة ياسمين في سيارة أجرة لبيت جدتها والدة أمها في قريتهم، وواصل سرد المشاهد غدوا ورواحا من اللحظة الحاضرة لأوقات مضت، وهو ينكل بقلمه الجرح تلو الآخر حتى وصل بنا للحقيقة الصادمة ونهاية مفتوحة لا تعدنا بالأمل في تغيير قريب.

#بياض_على_مد_البصر عمل روائي أقل مايمكن أن يقال عنه أنه إبداع على مد البصر.