فتيات الكروشيه .. بين رُحى المقاومة والإستسلام

تقوم الكاتبة جيلان الشمسي في عملها الأحدث الصادر عن دار الشروق في 131 صفحة بكتابة مجموعة قصصية شديدة العذوبة تحوي على 14 قصة قصيرة تعرض فيها الكثير من المشاعر التي تتهادى ما بين الأمل واليأس والمقاومة والإستسلام والكثير الكثير من الحيرة والتخبط الذي يصبغ على العمل مسحة من الفلسفة التي تستفز القارئ للبحث بين الصفحات عن معنى بل والأكثر أنها تجعله يقف على مسافة من حياته نفسه ليتأملها كيف كانت وماذا أصبحت فيعيد بذلك إكتشاف نفسه من جديد.

نولد وفينا الحلم والخيال وقد جُبلنا على تنميتهم لمزيد من الإبداع ولعل ذلك يكون أبرز ما يكون لدى الأطفال حيث أنهم لا سقف ولا حدود لذلك الخيال لديهم ولكننا في مجتمعاتنا الشرقية نتفنن في كبح جماح روح التجربة لديهم باحثين عن كل السُبل الممكنه وغير الممكنه لقولبتهم في إطار من الأعراف والقواعد البالية فالذكر ذكر والأنثى انثى لكل منهم اختصاصه الذي لا يجوز أن يحيد عنه حتى ولو اضطررنا لقص أجنحتهم حتى لا يتتبعهم أحد فنعمد مثلا في قصة فتيات الكروشيه لحرمانهم من ممارسة هوايتهم نظراً لتعلق الفتى بهم ونحرمه من متعة التجربة والعطاء ليتم تنميطه على أكمل وجه.

وقد تكرر نفس الفكر في كل من قصة فستان زفاف بلون زهرة البنفسج التي سعت لتحديد الفرحة بشكل معروف لا يمكن تغييره وكذلك في قصة الغوص إلى أعلى والتي عممت فكرة موحدة تجاه الفتيات على لسان الأب والذي يرمز لنظرة ذكورية بحته وتقسيم الحياة للشيء ونقيضه فقط بلا ادنى لمحة من المرونة.

هذا ولا تغيب الفانتازيا عن المجموعة القصصية فقد رأيت منها فيما يخص إختفاء الأتوبيس رقم 22 و الرجل ذو البذلة الرمادية الكثير ولا ينفي ذلك لمحة الفلسفة عنهما ففي قصة الحافلة يتجسد امل الأم في رؤية طفلها من جديد فتلجأ للامنطق في سعيها ذلك ومع الرجل ذو البذلة الرمادية نرى الكبت والضغط الدفين وما يمكن ان يصدر نتيجة لهما في لعظة عابرة أو لعلها مقولة اللي يخاف من العفريت يطلعله🤷‍♀️.

في قصة قاسم أحسست بثقل أن تكون ضيف في جسد غريب وحياة لا تنتمي لها فتحاول جاهداً التحدث عن واقعك وتستميت للدفاع عنه وإن كان بالطيران بعيداً عن العالم أجمع متسلحاً في ذلك بكل من الصبر والخيال.

يتكرر الأمر ذاته في قصة نحو حياة أخرى فنجد المرأة تتشبث بحلم قديم لم تحققه فيسعى عقلها الباطن لتحقيقه بأي ثمن بعيداً عن واقعها الميؤس منه.

بالرغم من تجلي معنى المقاومة في بعض القصص الا أن الحياة تصفعنا في قصص أخرى مثلما حدث في قصة كارافان أو العودة من الحافة فقد حاول كلا من البطلين التشبت بذاته وسط نوائب الحياة وضغوطها ولكن كان للقدر رأي آخر فكلاهما اندثر تحت وطئة الظروف فسواء قرر السير في طريق لا نهاية معلومة له أو وارى نفسه الثرى فالنتيجة واحدة.

يقال إن الإنسان هو عدو نفسه الأكبر فهو من يحدد لنفسه القواعد التي تمنعه من التحليق في سماوات الإبداع والأسواء أن يلقي بذاته في غيابات الوهم او حتى لا نعطي ذواتنا قدرها المستحق مثلما حدث في السيدة ذات الأنف الكبير.

أَعترفُ بأني تعبت من طول الحلم

الذي يعيدني إلى أَوَّله وإلى أخرى

دون أن نلتقي في أيِّ صباح

سأصنع أحلامي من كفاف يومي

لأتجنَّب الخيبة .

"محمود درويش"

هكذا قالها درويش وهكذا جسدتها جيلان الشامسي في قصصها حينما كتبت قصتيها وسط الرمال و الغوص إلى أعلى فكلا البطلين بالرغم من تعاقب سنوات عمريهما حتى شارفا الاربعون ربيعاً لم ينسى كل منهما حلمه وعاش رهناً للحظة تحقيقه التى أبت أن تتم.

أحببت روح المقاومة في الفتاة ذات الشعر الأزرق والتي وإن كان فيها شيء من الفانتازيا فقد تشابهت في رأيي مع قصة كارافان مع إختلاف النهاية.

المجموعة كُتبت بلغة جميلة وشاعرية مع مصطلحات بسيطة ليست عصية على الفهم تمس نياط القلب قبل العقل غير أنها في بعض المواضع كانت تتزاخم في فلسفتها الى الحد الذي يجعلني افقد الرابط أحيانًا أو المغزى من القصة كما حدث في قصة فرساي مثلا وذلك لا يقلل من جمال المجموعة في شيء ذلك أن إحاطة العمل بطابع فلسفي يجعل كل قارئ يراه بعين تجربته وحبرته في الحياة ولعلني لم أصل لتلك النقطة التي تفتح لي باب تأويل هذه القصة بعد.

في النهاية عمل لطيف تقرأه فيترك في نفسك منه الكثير ولا يغادرك بسهولة انصح به وإلى لقاء آخر مع قلم الكاتبة🥰.