عمل استثنائي يخرج عن الإطار التقليدي للرواية النفسية فهي تطرح فكرة مختلفة وجريئة تستند إلى حالة نادرة ومعقدة في علم النفس لكن الكاتبة لم تقدمها بشكل علمي جامد لكنها نسجت حولها عالماً نابضاً بالحياة، يمزج بين الواقع والخيال، وبين الهواجس الإنسانية والمشاعر العميقة. وتميزت الرواية بقدرتها على الغوص في أعماق النفس البشرية ورسم صراعاتها الداخلية بأسلوب سلس ولغة قوية بعيدة عن التكلف مما جعل السرد مشحونًا بالعاطفة وفي الوقت ذاته مشوقًا بحيث يدفع القارئ إلى الاستمرار والتعمق في القراءة بلا توقف.

لم تتناول الكاتبة المرض النفسي على أنه مجرد عرض لاضطراب نادر لكنها قدمته كإنعكاس لفكرة أعمق عن الهوية والخوف من المجهول وعن الحدود التي نرسمها حول أنفسنا لتحمينا، وما الذي يحدث حين تُكسر تلك الحدود.

شدّني في الرواية براعة منال معشي في الموازنة بين التحليل النفسي الدقيق وبين الحكاية الإنسانية الدافئة، لتقدم عملاً يترك أثرًا عاطفيًا وفكريًا في آن واحد كما يشعرك بالارتباط مع الشخصيات فكان أكثر ما أسرني شخصيًا هو شخصية نادر، الذي يُنظر إليه باعتباره مجرمًا، بينما في جوهره إنسان يحمل من الرقة والرحمة ما يجعلك تتعلق به وبخاصة في الطريقة التي تقبّل بها فارس وكسر كل حدوده ليمنحه الأمان الذي فقده هو نفسه في مرحلة ما من حياته. وشخصية فارس التي رغم معاناتها وآلامها فقد أضفت بهجتها الخاصة، بروحه المرحة الشقية وحضوره خفيف الظل الدافئ، فقد خلقت توازنًا جميلاً بين الألم والأمل في النص.

بالنسبة لي تعتبر هذه الرواية تجربة إنسانية غنية ومختلفة، وقراءة تترك في النفس أثرًا لا يُمحى وتثبت أن منال معشي تملك قدرة فريدة على ابتكار عوالم نفسية ودرامية مدهشة وسأبدأ مباشرة في قراءة الجزء الثاني "حقل التفاح" لأستكمل الحكاية معهم.