حين أنهيت قراءة "سنتيمترات إضافية" لتامر عطية شعرت أنني لم أقرأ رواية بقدر ما دخلت في تجربة مربكة، صادمة، ومضيئة في الوقت نفسه. الرواية تقتحم منطقة مسكوت عنها بجرأة نادرة، وتفتح أمام القارئ أسئلة عارية عن الجسد والهوية والقبول الاجتماعي، مستخدمة رمزًا غريبًا يتحول من تفصيلة جسدية مشوّهة إلى مرآة فلسفية تعكس هواجسنا الأعمق. ما أبهرني هو هذا المزج الفريد بين الواقعية السحرية والخيال الجامح، حيث تتوالى الأحداث في نسيجٍ مشحون بالدهشة، يضعك طوال الوقت على الحافة: لا تدري إن كنت في عالم واقعي أم في كابوس أسطوري. الشخصيات هنا ليست مجرد أسماء، بل دوائر متشابكة تتأثر بالرمز وتعيد تشكيل معناه كل مرة، وكأنها تقول إن الغرابة لا تقيم في الجسد وحده، بل في نظرة المجتمع له. ربما كان أكثر ما شدني هو أن الكاتب لم يبحث عن إجابات، بل اكتفى بإلقاء الأسئلة في وجهنا، تاركًا كل قارئ يواجه صراعه الخاص. النهاية جاءت كما توقعتها أن تكون: مدهشة، غير مألوفة، تحمل ثِقَل العمل كله وتضع النقطة الأخيرة بحِرفية. قد يراها البعض جريئة حدّ الاستفزاز، وربما يختلف حولها القراء، لكن بالنسبة لي هذا تحديدًا ما يجعلها رواية تستحق الوقوف عندها؛ لأنها لا تتركك محايدًا، بل تجبرك على التفكير، وربما على مراجعة نفسك. "سنتيمترات إضافية" ليست مجرد عمل أدبي عابر، إنها لعنة جميلة تلتصق بالذاكرة وتذكّرك أن الأدب الحقيقي لا يُكتب ليمرّ بهدوء.