❞ القاهرة. التي تغصّ بالملايين. هل ستذكر هذا الفتى الذي أعطاها خمس سنوات من عمره، خمس سنوات نادرة، لا تعود ولا تتكرّر. الذي ترك شيئاً من حياته في أوتوبيس رقم ٦ . وشيئاً في ميدان التحرير (المجمّع العتيد!). وشيئاً في السعيدية. وشيئاً كثيراً في شقة الحريّة. الذي يودّع الآن. يفتح روحه ويختزن كل ما يستطيع اختزانه من الأشياء القاهرية. الوجوه. الروائح. المقاهي. الكشرّي. البقسماط والبيض المسلوق. يا أمّه القمرع الباب. أنت وبسّ اللي حبيبي. سور الأزبكية. جزيرة الشاي. كل كبده ومخ باطمئنان. واقرأ الفاتحة للسلطان. تلمّع يا بيه؟ «روزا»... «صباح الخير»... «أهرام»... «روزا». السحلب. هل ستذكرين هذا الفتى الذي سيأخذ معه كل هذه الأشياء الى نيويورك. وعندما تطبق عليه ناطحات السحاب. ويهاجمه رعاة البقر. سوف يقف متحديّاً. يقزقز لبّ. ويصرخ في الأمريكان: «يا ناس يا شر! كفاية قرّ!»؟

أوّاه! يا قاهرتي! يا قاهرة الرأسماليين والاشتراكيين (والماركسيين أحياناً). يا قاهرة الظالمين والمظلومين. الحارمين والمحرومين. الحاكمين والمحكومين. يا أمّ الدنيا! هل أراك مرّة أخرى؟ وماذا لو رأيتك «وتلاقينا لقاء الغرباء»؟! ❝

مجموعة من الشباب البحرينيين يدرسون في القاهرة في أوج فترة المد الناصري و تحديدا في الفترة ما بين العدوان الثلاثي على مصر و حتى انهيار الوحدة بين مصر و سوريا. و هي الفترة نفسها التي درس فيها القصيبي في مصر و لذلك اعتبرها البعض سيرة ذاتية و ان كنت لا أميل لذلك.

حملت الرواية بالتأكيد الكثير عن غازي القصيبي و ان كنت أظن أنه جمع فيها بعض ما رأي و سمع و ليس فقط ما فعل. الرواية مثقلة بأحلام الشباب و حياتهم و لهوهم و مشاغلهم الشخصية و القومية و توق أرواحهم للحرية التي يحدها المجتمع و المال و الظروف.

عشرات القصص التي مثلت نحو سبع شخصيات رئيسية و هو عدد كبير ليس من السهل استيعابه ناهيك عن علاقات كل منهم بأخرين و لم يكتف القصيبي بذلك بل زاد عليها دمج الأحداث الجارية بما تحمله من نظريات سياسية ثقيلة و شخصيات سياسية و فنية شهيرة ظهرت بشخصياتها الحقيقية في الرواية. شخصيات بحجم جمال عبدالناصر و جورج حبش و احمد الخطيب و صدام حسين و ميشيل عفلق و العقاد و محفوظ و طه حسين بل و عبدالحليم حافظ أيضا و أخرين.

الرواية ستجذبك إلى أجواء الحلم العربي. حين كان ممكنًا وقريب المنال. لكنها رواية ثقيلة نسبيًا. كثيفة بالشخصيات والحوارات والأفكار. إن قرأتها متقطعة. ستضيع منك خيوطها. لكن إن خصصت لها وقتًا متصلاً. ستجد فيها متعة كبيرة.

بالنسبة لي. شقة الحرية لم تكن مجرد رواية. بل بوابة إلى زمن تمنيت لو كنت فيه