في عالم تتلاشى فيه الحدود بين الواقع والكابوس، حيث الظلال تخفي أكثر مما تكشف، تبرز رواية "تصريح دفن" لأمير عزب كصرخة مدوية في وجه الصمت. ليست مجرد قصة بوليسية عابرة، بل رحلة غوص في أعماق النفس البشرية والمجتمع، محفوفة بالغموض والإثارة التي تأسرك من الصفحة الأولى.

تخيل معي: شخص يختفي في ظروف غامضة، جريمة بشعة تترك وراءها أشلاء متناثرة. هنا تبدأ خيوط الحكاية تتشابك.

ثم يأتي المشهد الافتتاحي الذي يحبس الأنفاس: مدير مباحث يستيقظ ليجد نفسه مقيد اليدين في غرفة مظلمة، بصحبة أربعة أشخاص آخرين، كلهم مكبلون إلا واحد. من هذا الواحد؟ وما سر هذا الاحتجاز الغامض؟ من هنا، ينطلق السرد ليأخذك في دوامة من الأحداث المتسارعة.

ما يميز هذه الرواية حقا هو براعة الكاتب في استخدام "السرد السينمائي" أو لنقل "المونتاج الأدبي". تنتقل بين المشاهد بسلاسة مذهلة، وكأنك تشاهد فيلما بوليسيا محكما. هذه التقنية تضفي على النص حيوية بصرية وإيقاعا مشوقا، يجعل القارئ يعيش كل لحظة وكل تفصيل بعينيه وقلبه. اللغة العربية الفصحى في السرد تمنح النص رصانة وأناقة، بينما تضفي اللهجة المصرية في الحوارات لمسة من الواقعية والعفوية التي تقرب الشخصيات إليك.

لكن "تصريح دفن" لا تكتفي بالإثارة البوليسية، بل تتجاوزها لتلامس قضايا اجتماعية حساسة ومؤلمة، مثل تجارة الأعضاء، مسلطة الضوء على جانب مظلم من واقع قد نتجاهله. هذا البعد الاجتماعي يمنح الرواية عمقا إضافيا ويجعلها أكثر تأثيرا.

لقد نسج الكاتب حبكة متقنة، تتكشف أسرارها طبقة بعد طبقة، لتصل إلى نهاية مدهشة ومدروسة بعناية فائقة. الشخصيات، سواء الرئيسية أو الفرعية، مرسومة ببراعة، لكل منها دوافعها وأسرارها التي تزيد من تعقيد الأحداث وجاذبيتها. ورغم الطابع البوليسي القاتم، تجد الرواية مساحة لشق رومانسي خفيف يضفي عليها لمسة إنسانية رقيقة.

"تصريح دفن" ليست مجرد رواية تقرأها، بل تجربة تعيشها. إنها عمل يستحق الفوز بجائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيرا لهذا العام، بجدارة واستحقاق. إذا كنت من عشاق الروايات البوليسية التي تجمع بين التشويق العميق، السرد البصري المبتكر، والقضايا الاجتماعية الهامة، فهذه الرواية تنتظرك لتسحرك.

#تصريح_دفن #أمير_عزب #روايات_بوليسية #أدب_عربي #نقد_أدبي #قراءة #كتب #روايات_مصرية #إثارة #تشويق #السرد_السينمائي #مونتاج_أدبي #جائزة_القلم_الذهبي #قضايا_اجتماعية #مراجعات_كتب #ماذا_تقرأ #دار_إبهار