عصفور من الشرق > مراجعات رواية عصفور من الشرق > مراجعة Rudina K Yasin

عصفور من الشرق - توفيق الحكيم
تحميل الكتاب

عصفور من الشرق

تأليف (تأليف) 3.9
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

الكتاب الثاني والعشرون من العام 2025

عصفور من الشرق

توفيق الحكيم

تطبيق ابجد

""نعم، لا شك أن المسئول عن انهيار مملكة السماء هم رجال الدين أنفسهم!... أولئك الذين كان ينبغى لهم أن يتجردوا من كل متاع الأرض، ويظهروا في زهدهم بمظهر المنتظر حقًا لنعيم آخر في السماء... لكنا نراهم هم أول من ينعم بمملكة الأرض، وما فيها؛ من أكل طيب، يكنزون به لحمًا، وخمر معتق، ينضح على وجوههم الموردة، وتحت إمرتهم: السيارات يركبونها، والمرتبات يقبضونها!... إنهم يتكلمون ❞ عن السماء، وكل شيء فيهم يكاد ينطق بأنهم يرتابون في جنة السماء، وأنهم متكالبون على جنة الأرض. هؤلاء هم وحدهم الذين شككوا الناس في حقيقة مملكة السماء!... إن كل ما بناه الأنبياء: بزهدهم الحقيقي، وجوعهم، وعريهم، مما أقنع الناس بأن هؤلاء الرسل إنما هم حقًا ينتظرون شيئًا في العالم الآخر؛ جاء هؤلاء فهدموه!... وكانوا هم أقوى دليل على كذب مملكة السماء، وخير دعاية لمملكة الأرض!... وأنسوا الناس بانغماسهم في هذه الحياة، أن هنالك شيئًا آخر غير هذه الحياة!""

لا اعرف ان كان إحساسا صادقا ام لا لكني شعرت في الكتاب ان الحكيم يتكلم عن نفسه، بالرغم انني لم اعرف شيئا عن محسن سوى حبه وصدمته وصداقته لكني لم اعرف اهله ثقافته بيئته وغيرها التي اخفاها حكيم وجعل الامر في لبس هل نحن امام دارس القانون المحامي والكاتب توفيق الحكيم ام انه فقط اختار جانبا معينا وتحدث فيه ومن خلاله عن جزء معين في شخصية محسن.

الرواية برمزيتها تحدثت عن أربعة أشياء مهمة بالحياة ان ابتعدنا عن الاختلاف الحضاري، فيوجد هنا من كل ألوان الحياة نصيب، بها من الحب ربيع الحب وازدهاره ومن العمر صحراءه وتجاربه   ومن الروح شفافيتها فمازال كل ما يكتبه توفيق الحكيم يسعى للربط بين الروح والجس

الرواية جسدت فكرة التباين بين الشرق والغرب، وتعالج موضوع العلاقة بينهما فهي تبرز مجتمعا حقيقياً فقيرا وهو المجتمع الفرنسي في الازقة الضيقة، ولهذا لا يمكن أن تنحصر فكرة الرواية في قصة حب فاشلة بين البطل والبطلة ولكن المغزى الحقيقي كامن في الرواية في صراعات الحضارات والنظريات المتبناة. الرواية تحاول ان تبحث عن الحلم المفقود وتحاول أن تسأل من خلال شخصية مسيو "إيفانوفيتش" عن المدينة الفاضلة. 

) اليوم لا يوجد شرق! ... إنما هي غابة علي أشجارها قردة، تلبس زي الغرب، علي غير نظام ولا ترتيب ولا فهم ولا إدراك."(

هذه الجملة هي الأكثر تعبيرا في الرواية ككل

الشرق فقد معناه وتميزه بتقليدنا للغرب .. يمكن أن يكون السبب في ذلك هو الاحتلال التي عانت منه مصر علي مر الزمان ولكن مع كل اسف وحتي تلك اللحظة نأخذ الموضة واسلوب الحياه  فهو لم يكن احتلال عسكريا بقدر ما كان ثقافيا

محسن" هو ممثل الشرقيين والعرب ككل" في الرواية

كيف يتأثر بالغرب ويترك طباعه الجميلة الشرقية المهذبة ليتشبه بتلك التي يراها في الأفلام الأمريكية والأوروبية

من ملبس ومأكل وحتي التقاليد والعادات التي نقلدها غيبيا بدون تفكير .. بما في ذلك اللغة نفسها والتي تحولت الي اما "فرانكو" باستخدام حروف اجنبيه او حتي ادخال الكلمات الأجنبية عنوه دخل كل جمله حتي لو لم تكن ضمن سياق الكلام ونسينا لغتنا الجميلة لدرجة ان هناك البعض لا يفهم الكلام باللغة العربية جيدا

عصفور جميل وبسيط من الشرق ينقلب الي ببغاء يقلد كل ما يسمع وكل ما يري بدون ان يعقل شيئا

ولذلك اعجبني وضع الببغاء في الرواية وحصوله علي نفس اسم البطل "محسن" وبذلك يظهر التحول

هذه الرواية التي تبدو لأول وهلة قصة عشق وغرام فاشل بين مصري وفرنسية لكنهم هنا رموز لاختلاف الحضارات غير رمز للشرق وتلك الفرنسية هي رمز الغرب

وبات الصديق الروسي إيفان يعقد مقارنة بين الشرق والغرب ، باختصار الغرب يعني السطحية والشرق يعني العمق فالغرب فرض علي ذويه حياة مزيفة حياة في عالم واحد الدنيا فقط ولا يهم ما سيحدث في العالم الأخر ، ومن هنا جاء تكالب الناس علي الأرض كل يبحث عن نصيبه قبل أن يضيع فتحاربوا وتقاتلوا ونشبت بينهم المعارك ، ثم جاء واحد منهم بدين جديد يسمي الشيوعية وتنبأ بعهد جديد للعالم يكون قوامه العمال ولم يلبث هذا الدين أن ظهر حتي ظهر دين أخر هو الفاشية الذي يدعو إلي اختيار رجل واحد كقائد للبشر يده هي يد الإرهاب ذاتها وتسعي إلي الاستعمار واستضعاف الشعوب ونهب ثروات البلاد وبقي الصراع بين الشيوعية والفاشية إلي أن انتصرت الفاشية - وإن اختلف المسمى اليوم - فظهر هذا الانتصار جلياً واضحاً في عصرنا من خلال الحروب واستعباد الأقليات وخلق أنظمة فاشية ظلمت شعوبها .

ثم انتقل إلى أن الشرق قد أعطي أهله حياة في عالمين عالم الدنيا وعالم الاخرة وأن من لم يأخذ نصيبه على الأرض فإن هذا النصيب محفوظ في السماء ولعل هذا هو السبب في أن المسيحين في عصر الشهداء كانوا يقدمون للموت سعداء مبتسمين وهو أيضاً السبب الذي جعل المسلمين يقبلون على الجهاد في سبيل الله فيقتِلون ويقتَلون لكن هنا أتساءل في ظل الوضع الحالي هل تقاسم الدين بين الدنيا والاخرة مبررا لكره الدنيا والموت وترك بناء الوطن؟ هل خلقنا الله فقط لنموت؟ لا نعمر لا نبني؟  نعم اتفق ان نجعل الدنيا اخر همنا لان الاخرة هي الباقية لكن يجب علينا البناء والعمل والعيش بالدنيا بكافة مظاهر الامن والأمان والحرية لنتمكن من العمل من اجل الاخرة.

ومع ذلك عندما  انتقلت هذه الأديان إلي الغرب حتي ألبسها الثياب الفاخرة وزينها بالحلي ورصعها بالجواهر فضاع الباطن وبقي الظاهر حتي أن الكنيسة في أوروبا كانت في وقت أكبر مؤسسة مالية ودخول المال في ملكوت السماء أصعب من دخول جمل في ثقب إبرة

ولعل المسئول عن ضياع جوهر الدين الذي يدعو إلي التواضع والتوازن الاجتماعي والتسامح هم رجال الدين أنفسهم الذين يظهرون مرتدين أغلي الثياب ويركبون السيارات الفارهة فهم بذلك يشككون الناس في مملكة السماء ويدعونهم إلي الحفاظ علي مملكة الأرض وهم لا يضربون بأنفسهم مثلا في الزهد والتقشف وعدم التكالب علي الدنيا مثلما يدعون ويرددون في دعوتهم

بعد ذلك أنتقل إيفان إلي أوربا وثورتها الصناعية التي يري أنها أفقدت الانسان ادميته وحولته إلي مجرد الة وحدث هذا بفكرة تقسيم العمل لدرجة أن عملية صناعة حذاء واحد تم تقسيمها في أمريكا إلي 200 مرحلة ، الأمر الذي يجعل العامل الواحد مسئولاً عن صناعة كعب الحذاء فقط طول عمره ، أي ثورة صناعية هذه التي تفقد الانسان متعة القيام بعمل كامل وتحوله إلي مجرد الة !

هذه الثورة الصناعية أيضاَ أنتجت أحدث ألات الفتك بالبشر فكيف يعظمها الناس ويمجدونها

هكذا كان رأي إيفانوفيتش الذي قرر في نهاية الرواية ترك هذه الحياة المزيفة والذهاب إلي الشرق حيث أصل الأشياء حيث الحقيقة حيث الحياة في عالمين ولكن محسن عصفور الشرق أراد أن يطلعه علي الحقيقة وينبهه أن الشرق قد طاله نصيب من سطحية الغرب وزيفه فرجال الدين في الشرق يلبسون أغلي الثياب ويركبون أحدث السيارات والبشر أنفسهم في الشرق قد اختلفوا فأنت تستطيع أن تشكك المرء في دينه ونبيه ولا تستطيع أن تشككه في المدنية الأوربية وتقدم المجتمعات ، الان قلما تجد رجلا يتحدث عن جزاء هذا العمل أو ذاك ، أحرام هو أم حلال ؟ قلما تجد العالم الاخر في أذهان الناس ، فقد طغت أوربا بعالمها الأوحد علي عقول البشر فالشرق الان أصبح كالقرد الذي اختطف قطعة ملابس وصعد فوق شجرة يرتديها ويقلد حركات صاحبها ولكن محسن لم يشأ أن يصدم صديقه إيفانوفيتش بالحقيقة وتركه ينام في سلام وفي رأسه الصورة المثلي التي رسمها للشرق.

 

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق