ما بين قورح العهد القديم وقارون في القرآن ونبوءة عرافة غجرية ووصية عجوز مات مصحوبًا بعقدة ذنب كاذبة!
من جديد، يهل علينا الروائي محمد إسماعيل في عمله الروائي الأحدث ( ورثة قارون ) في ٢٢٤ صفحة.
في كل مرة كان المكان يشارك الشخصيات البطولة ويقتسمها بدوره مع أبطال العمل.
ففي عمله الأول كان بطله المكاني مقاطعة شنچن، وفي الثاني كانت الجزائر وأنينها أثناء العشرية السوداء، وفي عمله الثالث حصرنا مع أبطال روايته في طوابق شركة متعددة الجنسيات تقتات على أرواح وحيوات من يحتمي بحدرانها.
وفي عمله الأحدث، موضوع حديثنا يسافر بنا في جولة إلى محافظة الفيوم، جولة لها بعد زماني بالأضافة للبعد المكاني حيث رحل بنا إلى الماضي السحيق حيث للأسرة الثانية عشر وعصر البطالمة وأمجاد أمنمحات الثالث وقصره المشيد بجوار هرم هوارة وقد عرف بقصر التيه لما يحتويه من ممرات وحجرات منها ما بُني تحت الارض ومنها ما بُني فوقها.
فنجد للرواية ملمح تاريخي يزهو بأمجاد حقبة غنية لا نرى منها سوى أطلالها، مرورًا بسرقات أو لنكن منصفين وأكتر وضوحًا هبات، هبات من آثار مصر وتاريخها قُدمت باسم الشعب المصري لا برغبته في أزمان ماضية متعاقبة.
لذا، لم يصبح الآن بيع الآثار تجريمًا!!
تساؤل طالما حير أبطال الرواية!
أما عن أبطالها من الشخوص، فهم خمسة من الأصحاب، تربطهم صداقة باهتة، لا يصح أن نسميها صداقة ولا يجدر بنا أن ندعوها زمالة.
ثلاثة ذكور جمعتهم مدرسة للبنين بتعليم فرنسي راقٍ
وفتاتان، تعرفا على بعضهما أثناء الدراسة الجامعية بعد نزول إحداهما من الخليج بعد إتمامها دراسة الشهادة الثانوية.
القاسم المشترك بين المجموعتين كان خالد، الأغنى، وأكثرهم ضعفًا في الشخصية وأخذ القرارات.
يتناوب الخمسة أصحاب الحديث في فصول قصيرة متعاقبة
فرغم أن الرواية كلها بالفصحى، سردًا وحوارًا، إلا أنك ببساطة تستطيع تمييز لسان المتكلم حتى وإن غفلت عن عنوان الفصل!
فلكل منهم طريقة في التعبير عمَ يقبع في حنايا قلبه من أوجاع واحتياجات وما يختمر في صدره من آثام، وما يحترق به ذهنه من خطط!
بكل يسر تستطيع تبين حال صبري واختلافه كليًا عن باسم، عن انتهازية شيري وتدين نجلاء الحرفي.
تستطيع كذلك أن تشعر بتيه الأبطال وطمعهم في الثراء السريع كما اشتهر المكان بقصر أمنمحات المصمم ليتيه كل من يدلفه.
ستري أنه ربما اختلفت الأسماء والروايات والأساطير والحكايات الشعبية لكن يبقى أمر أن هناك من تم خسف الأرض به عقابًا وقد ابتلعت الأرض ما ملكه.
ليقع الورثة في براثن حكايات تناقلتها الألسنة عبر السنين عن الرصد وما تحويه البحيرة وما يحاوطها من كنوز ثقيلة كثيرة تقبع في عمقها المكنون.
كان الدافع مجرد وصية عجوز، والد نجلاء الذي مات مصحوبًا بعقدة ذنب عاش بها طيلة حياته ليكفر عمَ ظنه ذنبًا اقترفه بوصية لم تجد نجلاء بدًا من تنفيذها بالطريقة المناسبة لعمتيها، فأصبح الخمسة مجرد أدوات لتنفيذ تلك الوصية، ليفوز في النهاية كاسب بكل ما تطلع إليه من مجد دون أن يساهم بفلس واحد من حر ماله، وأخرى بكل ما استطاعت أن تؤمن لنفسها من مال أمام ما استطاعت بيعه بنفس راضية، وصاحبة الشأن التي ربما لم تخسر الكثير؛ فالمال الذي شاركت به في تنفيذ الوصية في الأصل يعود لوالدها وقد ساهمت بالقليل مقارنةً، أما الأغنى فقد انصاع لمرجعه الشرعي الأول والأوحد، والده، رجل الأعمال شديد الثراء.
ويبقى لدينا أخيرًا خاسر، إنما بالحري هو من ربح الجولة، ففي حين أنه أكثرهم احتياجًا للمال وأشدهم بؤسًا وفقرًا إلا أن كبرياؤه منذ البدء كان ضد جشع باسم وضد بيع التاريخ!
كان الله في عون خاسرنا الأوحد وعون من أقرضته وما خسرته من مبلغ ليس بقليل ثمنًا عن الاغتراب وضمانًا للمستقبل.
في النهاية لا يمكن إلا الانبهار والتمتع بنص قصير نسبيًا كعادة مؤلفه، المؤمن تمامًا بتمام حصول متعة القراءة في ظل نص قصير هادف وممتع.