سنقرأ الكتاب بالمقلوب
مفتشين فيه عن المكتوب و المحجوب
هكذا قال عبدالوهاب البياتي. فماذا قال أحمد مراد؟
يبدأ الكتاب باليومية الأخيرة للمدعو سليمان السيوفي. النبي المختار و المهدي المنتظر علامة أخر الزمان و وارث عرش السلطان عبدالعزيز و سائر سلاطين الإنس و الجان. و آه لقيت الشعوذه.
جو معبق بالإثارة مع خلطتها الجاهزة لدى عم أحمد مراد العطار. هلاوس بطل القصة مع ذكاءه النادر و لغة أحمد مراد المناسبة لزمن القصة في منتصف القرن التاسع عشر و جو الحارة المصرية القديمة و الأسواق الشعبية مع استخدام عنصري الجنس و العنف بإفراط.
و لأن اللبلاب غلاب و الطبع كداب فقد كانت رواية عند كثير من القوم هباب الهباب لكنها مرت عليّ مر السحاب. ايه الكلام الفاضي اللي انا بقوله ده. ده شكله تأثير السحر و المس و الأجواء الحلزونية للرواية و الا ايه؟
الحق انها الرواية الأولى التي أقرأها لمراد رغم شهرته الطاغية. كان كلما صدرت له رواية أجد الشتائم تنهال عليه و عليها منذ اللحظة الأولى و حتى صدور الرواية التالية. لم يشفع له عندي إلا وجود نسخة الكيندل بالصدفة البحتة وسط مجموعة أخرى من الكتب فوضعتها في قائمة القراءة و كان اللقاء الأول.
بدأت بالقراءة المتحفزة المترصدة و كأني مقتنع تمام الاقتناع أنني لن أنهى الرواية و إن أنهيتها فلن تعجبني و لكن العكس تماما هو ما حدث.
أغلب ما قرأت من اعتراض على الرواية كان الآتي:
الإفراط في الجنس – التجديف في الدين – لا معقولية الأفكار – الفحش في الألفاظ – توهان القارىء بين الحقيقة و الخيال – تشويه التاريخ – احتقار النساء – تشويه سمعة الحارة المصرية القديمة – نهاية بائسة
و كلها اعتراضات منطقية و صحيحة نوعا ما. و لكن أغلبها مردود عليه. فالبطل هنا يبدو من أول وهلة اصابته بالفصام و جنون العظمة و جنون الارتياب على الأقل. و كل ما يتوارد إلى خياله هو حقيقة ملموسة بالنسبة له. و كل ما يقال على لسانه لا يؤاخذ عليه. هنا توارى أحمد مراد خلف شخصية المجنون ليقول ما لا يجرؤ أحد أخر على قوله و أنا دائما و أبدا من أنصار حرية أبطال الروايات في قول أو فعل ما يتراءى لهم. فيكفي الكبت و التضييق الذي نحظى به في الواقع و دعونا نترك أبطال الروايات في عالمهم الحر و تجديفهم و ضلالاتهم التي ننأى بأنفسنا عنها.
أما احتقار النساء فكان هو عقدة البطل نتيجة تاريخه العائلي و أما تشويه التاريخ بادعاء أن قاتل كليبر ليس هو سليمان الحلبي فليس تشويها و لا يحزنون و قصة سليمان الحلبي و اعتقاله و خزوقته بتهمة قتل قائد الحملة الفرنسية في مصر هي قصة تم تمحيصها تاريخيا في عدة مصادر و منهم من اتفق مع هذه الرواية و منهم من شكك في صحتها و معروف أن الجبرتي في تاريخه لا يتحرى الدقة في حوادثه كبيرها و صغيرها.
الحبكة الدرامية عالية جدا و ان كان بها اقتباسات من أفلام أجنبية مشهورة و يعيبها النهاية المبتورة إلا أنها جاءت شيقة و مختلفة.
القراءة الأولى لأحمد مراد و كانت موفقة جدا و أدت الغرض منها و أتوقع متابعة القراءة له مستقبلا.