مَنّا : قيامة شتات الصحراء > مراجعات رواية مَنّا : قيامة شتات الصحراء > مراجعة هدى أبوزيد

مَنّا : قيامة شتات الصحراء - الصديق حاج أحمد
تحميل الكتاب

مَنّا : قيامة شتات الصحراء

تأليف (تأليف) 3.7
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

رواية عن حلم الوطن والهوية، صراع وأهوال يعيشها التوارق (الطوارق) وإخوانهم في سعيهم للاستقلال بوطنهم بالأزواد. عبر رحلة البطل وصحبه المليئة بالعذابات جراء الشتات والسعي نحو حلم الوطن، والسخرية خفيفة الظل التي تخفف كل صعب، توثق الرواية التي تنتمي لأدب الصحراء الموروث الثقافي لمجتمع صحراوي بعاداته وأكلاته ولغته. تخييل للتاريخ يجعل من مأساة شخصية مرآة لتاريخ يهمله التاريخ.

تتبع الرواية هذا الحلم منذ لحظة فارقة، منا 1973، يضطرون فيها لفراق الأرض التي قاموا بثورة أولى أحبطت لتأسيس وطن بها، والشتات بين دول الجوار، وصولا للثورة الثانية الأزوادية في تسعينيات القرن العشرين. جفاف، أو "مَنّا"، يضرب شمال مالي 1973 ويأتي على مواشيهم مصدر رزقهم، يضطرهم للهجرة القسرية فيبعدهم عن الأرض وعن حلم الوطن لكنه يزيدهم شوقا له، ويتحملون في سبيله أهوال وفجائع تسردها الرواية ببراعة عبر بطل الرواية، بادي، وثلاثة معه يمثلون بقية الأزواد. ينتقل وعشيرته للجزائر، الأم الحنون لهم شرط ألا يتخذوها "قاعدة لنسج أفكار وطنكم المزعوم"، فيضطر بادي للرحيل لليبيا وتأجيل حلمه الشخصي بالزواج من حبيبته ابنة خاله، هكتا، ليحقق الحلم الأكبر بوطن الأزواد، حيث يغذي معمر القذافي حلمهم بالوطن بوعود لتحقيقه لهم فيستغلهم لتحقيق أحلامه. يجندهم للحرب من أجل فلسطين فيجدون أنفسهم أسرى بمعسكر إسرائيلي، ثم يورطهم بمعاركه مع تشاد ويتعرضون لسجون غير آدمية، وبعد خروجهم يعود الحلم من كونه "سراب" و"ربما" (الكلمة الأثيرة للبطل التي يتمسك بها بالحلم) ويتحول إلى محاولات جادة وثورة جديدة.

باختياره للغة، المعجمة في كثير منها على القارئ العربي، ولتفاصيل حياة الطوارق، التي ينتمي لها البطل، يضع القارئ في معمعة المنطقة وشعبها، كأننا ألقينا بطائرة في شمال مالي نستكشف بأنفسنا، وكما تعتاد العين ظلام الليل وتبدأ بالرؤية عبر انعكاسات القمر، تنقشع ضبابية اللغة وتتكشف ملامح الثقافة، يساعدنا بعض المفاتيح اللغوية التي يعطيها لنا الراوي، والتي ستفهمنا أن غسمان هو عثمان وتضحكنا بلغة صديقه الحساني عن وعد القذافي "بالاستغلال" (بدلا من الاستقلال)، يتطور القارئ من عدم فهم كل المفردات "يسمع ما يقال ويفقه سواده، وهذا هو المهم بالنسبة لنا" إلى الانسحاب داخل هذه الثقافة والشعور بما شعروا به وهم يدركون الجفاف وتوابعه من شتات.

اللغة مفتاح في رواية "منّا"، حيث يعنى السرد بالتنقل بين لغة الراوي التي تبدأ بطارقية المفردات والنطق وتتطور مع تعلمه العربية لكن تبقي على الغين بدل العين، وبين صحيح اللغة العربية في الفقرات المتناثرة التي يتحول فيها الراوي لسارد عليم يفيد بمعلومات أوسع من إدراك بادي، ليعود للراوي الأصلي "يقول بادي" بلازمات تعطي النص مذاق الحكي الشفاهي مثل "المهم" للانتقال لموضوع جديد "أي والله" لتأكيد الكلام، ونسيان بعض الأسماء. اللغة رمز للشتات فهم يتعرضون لعدة لغات ولهجات تشكل أيضا جزءا من الهوية التي لا ينساها البطل، لذا من الملائم جدا اختيار المؤلف هذا النمط اللغوي الذي قد يتسبب بصعوبة للقارئ خاصة في الفصول الأولى.

يستخدم الكاتب أيضا حيلة ذكية لسرد معلومات دون أن تكون فيها خطابية أو مباشرة عبر ناقل أخبار بين القبائل ال"فاماميست" حسب ما فهمته.

يبرع السرد في نقل ملامح الثقافة من ملبس وأكلات وطبائع، بأسلوب يمكن القارئ من معايشتها إذ يراها من عين من يعيشها، الراوي، وللمفارقة أحيانا باستغرابه الثقافات التي اعتدناها فندرك غيابها في ثقافته، مثلا في فقرة طريفة عن الصابون والفوطة "نحن أهل البوادي والصحراء، لا نكلف ولا نتكلف، أمورنا بسيطة، لا نكترث بتلك الغاسولات المعطرة الصلبة والسائلة بألونها... دون الالتفات لتلك المناديل التي تنشف الجسد".

في رأيي رغم قيمة التفاصيل في توثيق تلك الثقافة، إلا أن النص يبطئه كثرة التفاصيل.

من أهم ملامح الرواية هي تحرر الأحداث من التتابع الزمني، تبدأ الرواية بالبداية حين يضرب "منا" المنطقة ومع بداية الرحيل يقفز لاعتقالهم في المعسكر الإسرائيلي، ولدى إطلاق سراحهم يعود زمنا لرحلة الشتات وصولا لتجنيد القذافي لهم واعتقالهم ليعود ليحكي ما بعد إطلاق سراحهم، كأن النص يبرز فجيعة الشتات عبر أولى نتائجه الوخيمة وهو الاعتقال، قبل أن يحكي لنا عن رحلة الشتات ذاتها فيخلق التوجس الذي لم يكن يدركه الأبطال أنفسهم.

رواية ثرية بالمعلومات والثقافة، مكتوبة ببناء ولغة يعكسان موضوعها، تنتقل من التجربة الذاتي لتحكي حكاية قوم صراعهم نحو وطن يأتي في إطار سياسة عالمية تحرك كل شعوبنا.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
1 تعليقات