صندوق الرمل > مراجعات رواية صندوق الرمل > مراجعة Mohamed Osama

صندوق الرمل - عائشة إبراهيم
تحميل الكتاب

صندوق الرمل

تأليف (تأليف) 4.2
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

#ريفيوهات

"صندوق الرمل....كرة الحب والصراع الأزلي"

-في بداية قراءتي لتلك الرواية صادفني رأي يشيد بالرواية كما أشاد الكثير من سرد متقن وعرض شيق، لكن انتقد تتابع الأحداث وتصبغها بنظرة المستعمر عنا، إما حادة بعرض عداء الطليان للعرب حينها وتصاعده في مذ.بحة حي المنشية، أو باردة تحاول بالكاد أن تتعاطف مع مسألة صاحب القضية، وذاك موزع بين الصحفي الإيطالي "باولو فاليرا" وبطل الرواية.

-إلا أنني حين أمعنت في قراءة الرواية، ووازنت بين هذا الرأي وما وجدته في شخصيات "ساندرو، وجيا جارسيندا، وبشير، وحليمة، وليزا، وريكاردو، وبسيم بك الدفتردار"، وخاصة شخصية "ساندرو" وما كان بداخلها من نزاعات نفسية وشتات، يجعلني أرى أن الكاتبة أجادت في جعل أحداث الحرب الإيطالية العثمانية، ومأساة حي المنشية وغيرها من قضايا، بوابة نرى من خلالها ملحمة مستمدة من صراع الإنسان الأول وترنحه بين اللذة والاشتهاء والتي ربما تعلي ذاته وتجعله أول الكون ومنتهاه "حسبما تكون الغواية"، وبين الألم على انكشاف حقيقة نفسه بأنه مجرد نقطة تافهة في بحر واسع "وهذا ما جعل وجود شخصيتي أرتورو وخليفة مناسبا جدا"

- ولذا كان من المنطقي أن يظهر السرد بلون الراوي العليم، فيعطي صورة مجدول فيها كل شيء، من أول ماضي الرواية وحاضرها "في قص ساندرو للحكاية وزيارة حليمة، أو ذكر مصير سليمان بعد هربه من معسكر غابيطة" إلى معاناة طرفي الصراع "مأساة حليمة والسجينات، ومأساة أمهات الجنود الطليان، والصراع العنصري بين الشمال والجنوب الإيطالي والصراع بين الأتراك والعرب"، فتعطي رؤية شاملة تساوي -بقدر بسيط- بين أفعال الشخصيات بل وتبدو متطابقة- لترى مثلا الحموة والحماسة التي أشعلها الحب في بشير متشابهة لما اختلج في قلب ريكاردو، وترى ألم حليمة واحتضارها متلامسا مع ألم كاثرينا وعذابها، ونجد وحدة فيري ومشهده لمقت.ل جنوده قبل انت.حاره متلامسة أيضا مع وحدة بسيم بك الدفتردار وشهوده سقوط طرابلس- فنجد الصراع البشري متمثلا أمامنا يتشارك فيه الكل من الاشتهاء والتحمس إلى الجمود والموت إلا من خطوط عريضة، وهي ما وجدت من عرض مؤلم لفظائع الطليان "خاصة مع شخصيات حليمة وسليمة وعاليا"

--سرى طيف "غواية عتبة الطريق "

❞ ‫ حينها تقافزت الأجساد بشكل هستيري، وانفجرت صرخات ضخمة، منتشية بسَكْرَة وطنية كبرى، ومَهوُوسة بشيء غير مرئي، وامتدَّت أياد تقبض على مدافع افتراضية، وأخرى تقتطف فاكهة وَهْمية بشكل شهواني، وأخرى تُلوِّح وتُجدِّف في الهواء دون أن تلوي على شيء ❝

للتوضيح أكثر، فالرواية تقسم تلك الصورة الشاملة لأجزاء "أو نفوس" ثلاثة، يتجلى أولها في بداية الرواية في صور متعددة، في المغنية الإيطالية جيا جارسيندا، أو في حلم القومية الإيطالية لاستعادة المجد المفقود، أو مدينة تريبولتانيا جنة الإله في الأرض من كثرة وصفها، أو في شوق ساندرو لجيا، فتتفق تلك الصور في كونها خلابة، لها سحر خاص في قلب متلقيها، وتنزع عنهم بوجودها التفكير والتعقل "فيصبح صوت الصحافي الذي رفض غزو طرابلس ضائعا لا فائدة له"، يزيد من وقع سحرها ذلك الغموض الملتف بها وعدم معرفة المتلقي لما هيتها حقيقة المعرفة، وبما أن جمال الأشياء يكمن في عدم اكتمالها "كنصف ابتسامة جيا جارسيندا او حديث زعيم الحزب الاشتراكي لوالد ساندرو" فتكمن اللذة في عدم المعرفة "ربما ينضم لتلك النظرة مراوغة حليمة للبكوات المنفيين" ، وبها يتحرك المرء مظللا بتلك الشهوة ليكتشف ويبدأ -متجاهلا الحكمة - خوض التجربة كما فعل آدم مع شجرة الخلد

-قُلْ للقُدَامَى عُيُونُ الظَّبْيِ تقتلُهُم

مَا زالَ يَفْعَلُ فِينا الظَّبْيُ ما عَهِدَا

لَمْ يَصْرَعِ الظَّبْيُ مِنْ حُسْنٍ بِهِ أَسَدَاً

بَلْ جَاءَهُ حُسْنُهُ مِنْ صَرْعِهِ الأَسَدَا

نهج البردة- تميم البرغوثي

-تنشق من تلك النظرة المليئة بالشهوانية الخالصة صورة متفقة في جاذبيتها لناظرها، لكنها نقية بريئة وحالمة، لا تفرق -كما قالت شخصية جي دافرين- بين الناس مهما كانت مقاماتهم، فترى ثنائيات مثل "حليمة وبشير، وليزا وريكاردو، ووالد ووالدة ساندرو" تتشارك لذة الحب وصفائه وسخاءه على المحبين، وبراءته المتحدية للواقع أو المتحايلة عليه "كما فعل والد ساندرو من كذبته صغيرة إلى سحبه لمعشوقته للكنيسة"، وكذلك تتحمل مرارته التي تأكل المحبين مثل عنكبوت "متمثل في الواقع، فيلجأون لخوض التجارب التي تذلل القرب والوصل وتكسر أنفة الواقع "كحادثة بشير وأمنية ريكاردو" "متخذين من روميو وجولييت مرجعا لأفعالهم ولو حتى بلمحة بسيطة"

--من تبر إلى تراب "والعكس"

❞ الآن تنتابني الشكوك تجاه كل شيء، لماذا قذفتْني بلادي إلى صُندُوق الرَّمْل الحارق؟ لماذا حكمت عليَّ بأن أكون قا.تلاً؟ ❝

-ياتي بعد خوض أولى خطوات التجربة النوع الثاني، من تتكشف أمامه الحقيقة ويتبدد أمامه الحلم السعيد، وسواء كان انكشافه لتلك الحقيقة باكرا "كتشتت ساندرو عندما نزل السفينة وسماعه للحن الجنائزي" أو متأخرا في مقدم الموت "كالتوسكاني حين وقع في يد أهالي المنشية، يذوق مرارة الخداع، ويصير كالذبابة المنت.حرة على الجربدة، يصير ناقما على كل شيء، متخبطا لا يعرف كيف يصف نفسه، مواجها كما منى نفسه تارة، ومختبئا في الطوابي كما فعل أبوه سابقا بين الجبال تارة أخرى تشده بقايا غرائزه من اليمين إلى اليسار"كما فعل ساندرو لحمار حليمة الحرون ومن ثم يقتل والدت.ها حين تشبعت به غريزة الدم" لكنه ينفك عنها سائلا نفسه عن جدوى الحرب وذم نفسه عن عاره الذي فعله "فيرسل رسالة لكريستن فاضحا بها فظائع م.ذبحة الشط" وهكذا ينساب متشتتا كما تنساب الرمل حين تغربل، لكنها تنقيه من شهوة التجربة، تتركه مشبعا برؤية صافية "في زهد ساندرو لجيا" لكنها تتركه بقايا إنسان على كل حال، ينتظر الموت فيطهره ويخلصه من عاره

رُحْمَاكَ يَا مَن لاَ يَزَالُ عَالِمَا

بِضَعْفِنَا وَلاَ يَزَالُ رَاحِمَا

وَانْظُرْ إلَى مَا مَسَّنَا بَيْنَ الْوَرَى

فَحَالُنَا مِنْ بَيْنِهِمْ كَمَا تَرَى

قَدْ قَلَّ جَمْعُنَا وَقَلَّ وَفْرُنَا

وَانْحَطَّ مِنْ بَيْنِ الْجُمُوعِ قَدْرُنَا

من التوسل الناصري

- يتوازى في تلك الغربلة السجينات وشخصية حليمة، لكن ما يزيد قيمتها قليلا "وكذلك كاثرين، والمرأة المحتضرة الحبلى" هو ازدياد قلة الحيلة، ليقل حيز التردد في أضيق حد فيصير بين حياة رغيدة ولو مشبعة بمهانة مقسمة صنعها والد حليمة وبين مصيرها التي عرفته، أو بين حرية البكاء وبين ابتلاعه لأنها الأوامر، تغربلها المصائب فترى في صورة المرأة الحبلى "وكذلك ترى الحبلى نفسها" الموت والحياة صورة واحدة، فتتهيأ لأن تنسلخ من نفسها شيئا فشيئا، وينال الموت منها شيئا فشيئا أيضا، فتتخذ من قول أم حليمة "الموت هو الستارة" حجبا بينها وبين واقعها "كما جاء اسمها الحركي مستورة فرج" إلا من شيء بسيط ما استطاعت الانسلاخ منه، فينزعه القدر آخر الأمر لتصير حرة

-- مالحيلة؟

"نحن في زمن لا يحقق فيه الرجل أحلامه، حتى ولو كان حلمه الموت، إن كنت تريد أن تقول فيّ أنني عجوز ضعيف فقل ما تريد، إن كنت تقول فيّ أنني ورقة جافة فقل ما تريد، عجوز ثرثار أنا أقول ما قيل حتى في لحظتنا هذه"

من مسلسل ليلة سقوط غرناطة "بتصرف"

-وفي آخر الأمر، يتجلى العنصر الثالث، نفس مهمشة، لكنها مساقة لتشهد التجربة من أولها لآخرها، تجمع بين الصغير حمد وبسيم بك الدفتردار، فهما منتزع عنهما صدارة التجربة "في تعنت الدولة العليّة مع بسيم، وصغر السن مع حمد"، فحينما وضعت في وجه المدفع فجأة، لم تستطع فعل شيء إلا ارتجالة -بحكم الخبرة لبسيم بك، وبحكم رعونة الصبا لحمد لأخذ الكعك - لكنها هزيلة جدا

-وللمفارقة رغم تهميشهم، يحتاجهم الناس باعتبارهم شهود العصر، لأنهم يستطيعون سرد كل شيء بلا تحيز ولا فرض لتجاربهم، إلا من حسرة لأنهم لم يستطيعوا

--الخلاصة: عمل قوي جدا، مؤلم في تفاصيله وسرده لوقائع عدة، يستحق التقدير عن جدارة

-

Facebook Twitter Link .
2 يوافقون
2 تعليقات