خبز على طاولة الخال ميلاد > مراجعات رواية خبز على طاولة الخال ميلاد > مراجعة Rudina K Yasin

خبز على طاولة الخال ميلاد - محمد النعاس
تحميل الكتاب

خبز على طاولة الخال ميلاد

تأليف (تأليف) 3.7
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

الكتاب الثالث والثلاثون/ 2024

خبز على طاولة الخال ميلاد

محمد التعسان

**كان عليَّ ذلك اليوم أن أستنتج القوانين التي اتّفق مجتمعنا على وضعها، ومنها أنّ العفويّة في الحديث عمّا يجول ببالك قد تُشكّل خطرًا عليك وعلى من حولك**

**وتتركني في حالةٍ من الرضا على النفس، وهذا ما أحتاج إليه عند البدء في العجن والخبز، أن أكون راضيًا عن نفسي، تاركًا أفكاري في حقيبةٍ خفيّةٍ أرميها خارج المطبخ قبل الدخول، كما أترك عجلة الزمان تدور كما تشاء**

هذه المرة مع كاتب ليبي عبر تطبيق ابجد وخبز على طاولة الخال ميلاد للكاتب الليبي محمد النعسان وهو اول كاتب ليبي يفوز بالجائزة العالمية البوكر للعام 2022 عن روايته خبز على طاولة الخال ميلاد وللكاتب مجموعة من المقالات والقصص القصيرة لكن هذه الرواية هي اول اعماله ، صدرت لأوّل مرة عن دار رشم للنشر والتوزيع في عام 2021

خبز على طاولة الخال ميلاد .. عن الأمكنة التي لا تصلح للرجل او كما يقال في الامثلة الليبية "عائلة وخالها ميلاد" مثل ليبي يقال للعائلة التي لا يحكمها رجل .

رمزية الرواية من خلال رغيف الخبز او العيش والحياة بكرامة ، وهي ما اراد والد ميلاد انيطعمه لابنه من لان من خان الخبز لا يؤتمن له ويقول المثل "لا يمكنك أن تكون جباناً أمام صندوق الاقتراع وبطلاً في السرير".. عبارة تلخص كيف يؤثر القمع على فحولة الرجل، فكيف إذا أضيفت له عوامل أخرى ضمن مجتمع قبلي متزمت؟ لعل الروائي الليبي محمد النعاس استطاع من خلال أول عمل له أن يرسم صورة للقمع الاجتماعي والسياسي في ليبيا من خلال الجماهيرية وما بعدها .

احداث الرواية كما صاغها الكاتب بطريقة سردية عميقة تتركز حول شخصية "ميلاد"، ذلك الشاب الوحيد بين أربع شقيقات، والذي حاول أبوه أن يجعل منه رجلاً رغم أنفه، لكن حلمه بذلك قد تكسر عند حدود شخصية ميلاد الهشة، تلك الشخصية التي تشكلها اسس اربعة ممثلة باربع مراحل عاشها ميلاد او اربع شخصيات ،

مرحلة الفرن -"الكوشة" باللهجة الليبية- وبطلها أبوه الذي يمثل قمع المجتمع الأبوي، مهنة الخباز، هي الاساس التي تقوم عليه الرواية فالخبز هو الحياة وهو العجينة التي تتشكل منه المجتمعات كما يتشكل الخبز ففي كل مراحل حياة ميلاد الاربعة لم يكن هو صاحب الاختيار إذ نجده وقد اختار له أبوه أن يمضي إلى الجيش لانه وجده لا يصلح للخبز فالعلاقة بين الخباز والفرن لا يفهمها الجميع ولا يفهمها الامن يتعامل معها .

ومرحلة العسكرية متجسدة بشخصية "المادونا" القاسية التي تمثل القمع السياسي، حيث يعاني ميلاد من التنمر من المادونا او القائد ويجد ميلاد نفسه شخصا فتشلا لا يصلح وهي تعبير قوي عن القمع السياسي والمعاناة داخل مراكز التدريب والضرب والسجن والسحل لاخراج رجال عصابات وبلطجية لا حماة للوطن او جنودا

المرحلة العاطفية التي تختتم بالزواج من "زينب"، تلك المرحلة التي تمتزج تقارباً وتباعداً مع مرحلة الرجولة وفقاً في معظم الروايات العربية تكون المراة هي الحلقة الاضعف لا الرجل لكن النعسان اراد براويته العكس حيث قدم لنا شخصية لرجل يعاني من هشاشة نفسية تجعله تابعاً لكل من حوله، تماماً كما تفعل زهرة عباد الشمس التي يعشقها والتي ورد ذكرها في الرواية غير مرة، وكيف تفعل التوقعات الاجتماعية فعلها في تدمير حياته كرجل أكثر فأكثر إلى أن نصل إلى أهم صراع في الرواية متمثلاً بالعلاقة المتوترة في المجتمع العربي بين الرجل والمرأة.

تبادل الادوار : تبدو علاقة ميلاد بزينب علاقة مستقرة هادئة، فقد تزوجا بعد قصة حب سادها تقبل كبير متبادل، ثم أصبحت زينب تعول زوجها بعدما فشل هو بإعالتها، لا لشيء إنما بسبب عدم قدرته على تحمل أنواء الحياة التي يفرضها عليه ذكور آخرين عتاة، وعلى رأسهم عمه، ولذلك نجده يرتب البيت ويطهو ويغسل ثيابها ويكويها ويرتبها ويجلس يخبز بانتظار قدومها من العمل في تبادل واضح للأدوار الاجتماعية المنوطة للجنسين، ولذلك يخفي الأمر عن أهله ومعارفه ويطلب من زوجته أن تخفي الأمر كذلك. ثم نجدهما على الرغم من حرمان كليهما من الانجاب، إلا أن ذلك لم يؤثر على علاقتهما كزوجين، بيد أن ما أفشل علاقتهما في الصميم هو وشاية ابن العم، ولكن القصة لم تبدأ مع الوشاية والتحريض، بل لها جذور قديمة ضربت عمقها في عقل أي رجل شرقي وجعلت من ذلك مقياساً للرجولة، إذ طوال الرواية تتكشف إشارات توحي بأن ميلاد لم يكن الأول في حياة زوجه زينب، وبأنها خاضت تجارب كثيرة قبله حتى وهي تدعي عكس ذلك، مثلاً عندما استأذنته في شرب الكحول عند سفرهما إلى تونس لأنها تود أن تجربه حسبما قالت، لكنها حملت كأسها كمن اعتاد على الشرب، ولذلك لم يجد المؤلف مناصاً من الاقتصاص من شخصية زينب عبر قتلها في نهاية الرواية كحل لإنهاء هذا الصراع بين الرجل والمرأة في المجتمع الشرقي.

يبدو حل هذه العقدة تقليدياً للغاية، لكني أراه يرمز لأسلوب تعامل المجتمع مع كل امرأة يعتبرها متحررة من قيوده، أو تسعى به للتحرر من تلك القيود، إذ لا يكتفي المجتمع الأبوي بطعنها في شرفها والتشكيك بها، بل لابد له من قتلها حتى يشفي غليله ويثبت وصايته، ولعل ذلك ما دفع المؤلف للاستشهاد بأمثال شعبية تدعو للعنف ضد المرأة مثل: (اضرب القطوسة تتربى العروسة) أو (البنات زريعة إبليس)، ولا يكتفي المجتمع بهذا الحد، بل يعير الرجل الذي يعطي نساء بيته حريتهن، إذ نجد الكاتب يقول في بداية الرواية: "(عيلة وخالها ميلاد).. مقولة شعبية منتشرة بين الليبيين، يعيرون بها الرجل الذي لا يملك سلطة على النساء اللائي يتبعنه، وهو إلى ذلك يقدح في أخلاق النساء أنفسهن".

قيم المجتمع متمثلة بشخصية "العبسي" والتي تشكلت بالاسلوب القبلي الحاكم والمحكوم من خلال معاملة العبس لميلاد واحتقاره لمهنة الخبز والتركيز على السفر .

معظم الشخوص في الرواية لا يطرأ عليها أي تطور يذكر، باستثناء شخصية زينب التي تحاول تجاوز الخطوط الحمر التي تقيد حياة النساء في مجتمعها، فيطرأ على شخصيتها تطور طفيف للغاية يصعد الأحداث نحو عقدتها ثم الحل المأساوي الأخير. أما بطل الرواية "ميلاد" فيبقى يتعامل مع الجميع بالتساهل نفسه، وكلما ضاقت به الأمور فكر بإنهاء حياته هرباً من المواجهة والبحث عن حلول، وحتى التغير الذي يحدث لشخصيته يشعر معه القارئ بأنه لم يحدث سوى في خياله المريض المشوش، ولعل الكاتب اختار الجمود لتلك الشخصيات حتى يثبت لنا بأن المجتمع يخصي المرء من قدرته على التغيير، سواء تغيير نفسه أو واقعه، أما من يشب عن الطوق فالموت ينتظره متربصاً.

في النهاية لم يكن ميلاد عند حسن ظن مجتمعه به إلا فيما يتصل بالإناث من حوله، إذ لم يتمكن من أن يعول بيته كما يفعل أي رجل في بيئته، ولم يعد إلى العمل في "الكوشة" كما طلب منه ابن عمه، وحدها علاقته بزوجته وشقيقاته وابنة شقيقته وزميلة زوجته هي التي طابقت ما يمكن لأي ذكر في مجتمعه أن يفعله: فقد أدب زوجته وخانها مع زميلتها، كما وضع حداً لشقيقاته وتدخلاتهن بحياته، وحرم ابنة أخته من ارتداء الجينز، في حين لم يضع هذا الحد لابن عمه "العبسي" مثلاً، أي أنه كان هو بحق العجينة التي شكلها المجتمع كيفما أراد، والغريب في الأمر أن المقاطع التي تصف لنا عملية تحضير أنواع معينة من الخبز تأتي على ذكر موس الحلاقة التي يشكل بها الخباز خبزه، ما يعني أن عملية التشكيل ليست سهلة أبداً، بل إنها أشبه بطعنات تنتهي بالتوقيع المميز الذي يضيفه الخباز على رغيفه، تماماً كما يفعل القمع بنا إثر ترويضنا، وعن تلك العملية نقرأ:

" حسنًا، نحن الآن جاھزون لوضع خبزنا في الفرن. نمّرر لوح النقل تحت الرغیف النيء، ثّم ننقله بسرعة وهدوء إلى الطاجین. نملأ الطاجین تاركین مساحات بین الخبز الذي سیكبر في الدقائق التالیة. عندما نملأ الطاجین بالأرغفة، نأخذ سكيناً حادة. في العادة أستخدم موسى الحلاقة لخفته وسهولة التعامل معه، لكن يمكن استخدام أي سكين جيدة. أمّرر الموسى بزاویة ٨٠ درجة، ضابطاً الحدود بأصابعي. أكّرر العملیّة جاعًلا الخطوط متوازیةً على سطحِ الخبز. يضيف التوقيع شكلاً مميزاً للخبز، ثم إنه يساعد على ارتفاعه بانسياب، يمكن أن تفعل ذلك بأي زاوية تجدها مناسبة، وبالعدد الذي تريده، حسب طول الرغيف، لكنني أفضل تعليم خبزي بأربعة خطوط متوازية فقط" أجل إنها الخطوط التي أسلفت الحديث عنها: خط الديكتاتورية السياسية والاجتماعية ثم خطا زينب والعبسي المتضاربين أي علاقة المرء بالجنس الآخر ونظرة المجتمع لتلك العلاقة، صحيح أن تلك الخطوط متوازية لكنها تلتقي فوق صفحة رغيف الخبز نفسه، ذلك المواطن الذي تعجنه الحتمية الاجتماعية وتخبزه على طريقتها، ليخرج من الفرن مدجناً جاهزاً لتنفيذ كل ما هو مطلوب منه من دون أدنى تفكير بتغيير الواقع.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق