كيف يمكن تكثيف المشاعر الانسانسية المتبانية شديدة الرقة والعذوبة بهذه البساطة والتكيف وبكل يُسر سواء علي المستوي اللغوي او القصصي.. هذه هو المخزنجي باختصار تكيف ورشاقة عبارات وسهولة حكي وسرد تجعلك تلتهم الجمل والسطور بشهية مفتوحة للمزيد بلا توقف فتفاجئ ان الرحلة انتهت والحلم الذي تسبح فيه خارج الزمان والمكان قد انتهي.. للأسف.
لم تخب أي من رحلاتي مع د.المخزنجي في ان تسعدني وتجعلني اعيد القصة مرة واثنان للاستمتاع ليس فقط بالاحداث ولكن للتراكيب الدقيقة في وصف المرض النفسي وتسهيله علي غير المختصين وتضفير المشاعر في احداث رقيقة جدا تناسب ضعف الانسان وقلة حيلته حينما يقع تحت طائلة المرض.
قسوة الاحداث في بعض القصص المنبعثة من الانسان لغيره في رفض الناس او المجتمع للمريض النفسي كأنه مرض معدي وسرعان ما يصنف كمجنون فقط لمجرد اختلافه او معاناته او حتي لانتهاء مفعول المهدئ او مضاد الاكتئاب.. جهل المجتمع بالامراض النفسية واثرها وكيفية التعامل معها يفرز قصص عنيفة جدا في رد فعل المجتمع تجاه المرضي او من يعانوا أعراض نفسية.
اعجبني عنوان الكتاب ولم تسمح ظروف تواجدي خارج مصر ان احصل عليه في معرض الكتاب.. لكن ها قد حان الموعد مع اغنية من اكثر اغاني ام كلثوم قرب لقلبي هي رق الحبيب والتي تشغل اكبر مساحة في المجموعة.. كيفية تصوير الاحداث وربط هذه الاغنية بطريقة متشابكة جدا وتمس القلب بصورة قوية جدا من اثر المحبة والشوق ربما لغائب لن يأتي ولكن الشوق غلاب.. هل يمكن ان يتعلق شخص لهذه الدرجة ويعرض نفسه للخطر لهذا الحد ؟ماهو وقع الكلمة التي تخرج على سبيل الدعابة على نفس صاحبها وكيف تُحدث هذا الشق في صدره مما ظنه طوق النجاة.
احبتت قصة الاب وخوفه علي بواب العمارة رغم سماجته.. لكن الدرس النفسي من الهروب من الاجتماع والعزلة المقننة في وسط الزحام وكيف للوظيفة ان تطبع علي صاحبها فيحلل الاحداث والاشخاص ويربط السلوكيات التي تمر عليه طوال الوقت.. هذه النار المستعرة في رأس احدهم مع ان وجهة لاينبئ إلي بثلوج وغيام.
النزول على رغبة محبيك فقط لرغبتهم لا لشئ هي درس في المحبة الخالصة. وطالما دمج المخزنجي بين دروس الحياة ووظيفته كطبيب وبين تشابك النفس البشرية واثر التصرفات الصغيرة علي كل متلقي لاي نوع من المحبة طالما كان الامر صادق.
الغلاف يتوسطه "قصب" او ربما القصبجي الحقيقي وربما بطل القصة لكنه موفق جدا ويجعلك تبحث بنهم عما يتعلق سواء بالغنوة او ملحنها او الشادية بها "الست" غلاف بسيط وبها تشويشات ربما تتعلق ب"قصب" وربما تشرح الحالة العامة من تداخلات الكتاب.
المخزنجي هو ذاك الحكاء الذكي الثري الذي لا تمل من حكيه ولا مصاحبته في رحلاته المتعددة سواء في الغابات او داخل دهاليز مستشفيات الامراض العقلية لكنه في كل مرة تفتح فيها كتاب له هو بمثابة وعد بالمتعة الذهنية والادبية في صحبته.
*اقتباسات *
❞ كلثومية تُسعِّر وحشة الفقد والنوى فتثير جنونا للحظة، وتهدهد بفرح التذكُّر ما فات فيلوح حضورا يرقِّق قسوة الغياب ❝
❞ وكأنه يشدّ الابتسام شدًّا على فم كان يشرع في البكاء. ❝
❞ لم تعد تحب السفر. لم تعد تريد الذهاب إلى أي مكان غير الأماكن القريبة التي يتنفس فيها إيقاعك بارتياح. أماكن عامة ذات إطلالات فسيحة تذهب إليها مجهولا وحدك حيث تستشعر بأن الزحام حولك لا أحد. تأتنس بوجود الأحياء والحياة من حولك دون اختراق لخصوصيتك. تلتقي عددا قليلا جدًّا من الأصدقاء وتهاتف عددا قليلا من المعارف.أما أسرتك وبيتك فهما سكنك وسكينتك وركنك المكين. يسمون هذه عزلة، ❝