أجدني في العدم حالك الظلمة ، لا يوجد مبعث للضياء إلا من هذه البوابة الضخمة المفتوحة أمامي على مصراعيها ، ارتفاع البوابة و ضخامتها تشعراني أنني أمام جبل شامخ عظيم لا يعرف له أول من آخر ، و يأتيني صوت غليظ لا أعرف مصدره آمرني أن أدخل ، كأنه لإلهٍ لا يعرف الرحمة ، أو حتى لنفر من الجن ذا قوة تفوق القوة الآدمية درجات و درجات ، أيًا ما كان فأنا إنسي ضعيف حقير لا أملك قوة أمام الإله الجبار أو الجني الشرير ، فحتمًا نفذت أمره ، فإذا بي أجدني في سماء صافية الزرقة عاتية الجمال ، و كأنها سماء الإبداع ، لأجد مكتوب أمامي بحروف كَبُرَت أحجامها ( ليست كل الأبواب للطرق ) ، من ثم ( رودينا موسى )..........
لغة الرواية هي لغة سلسة جذبتني لأقرأ الصفحة تلو الأخرى ، و السرد كان يمتاز بهذا الطابع الغامض الذي يضفي على الرواية التشويق و الإثارة ، و قد ظهر في الرواية تأثر الكاتبة رودينا موسى بأسلوب العراب أحمد خالد توفيق - رحمه الله تعالى - في السرد و الكتابة ، ممزوجًا بأسلوبها الخاص ليخرج تلك الرائعة الأدبية.............
من الأشياء التي أكدت لي إبداع الكاتبة رودينا موسى في الرواية هو اختيارها للألفاظ و العبارات المواتية للزمن الذي تدور فيه الرواية ، مثلا استخدامها لتلك الألفاظ و العبارات : ( الضبطخانة ) ، ( الحكيم ) ، ( لأشتري الأرواح ) ،..........
و ذكرا لإبداع الكاتبة ، فقد خطف لبي اختيار الكاتبة لهذا الدعاء تحديدا عندما أُخِذَ رفعت و من معه إلى القسم : ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) ، و هو دعاء سيدنا يونس - عليه السلام - عندما كان في بطن الحوت ، فنجد الكاتبة هنا تصور كأن رفعت و من معه في بطن حوت الخوف و الروع ، و من ثم في بطن الحوت إبراهيم باشا ، و هذا يدل على ذكاء الكاتبة رودينا موسى في اختيار الدعاء..........
أعجبني بناء الشخصيات جميعها عدا شخصية ( چيهان ) ، لأنها لم تتعمق في دواخل تلك الشخصية ، كما فعلت مثلا بإتقان في شخصية ( نادرة الخليلي ) ، أو شخصية ( مصطفى عبد العال ) ، و غيرهما كثيرين..........
❞ أحرس قبره هو وغيره حتى يقابلني الموت مثلهم ❝
سلبني للغاية صياغة هذه الجملة ، فهو يوحي بحتمية الموت على كل الورى ، مع وجود مفارقة أجدها عجيبة جدا جعلتني هذه الجملة ألتفت لها ، و هو أن يكون حارس قبور الموتى نفسه معرضًا للموت هو الآخر بين البرهة و الأخرى..........
❞ السيدة نادرة الخليلي لم تستوعب وقع الكلمات بعد، هي حتى لم تنتبه لطرق الباب الذي أيقظ الجميع فبيتها يحمل طابقين، الطابق العلوي - حيث غرفة خلوتها - يشعرك بالعزلة التامة عن الطابق السفلي، لو انطبقت السماء على طابق البيت ❝
المكنون الذي وضعته الكاتبة رودينا موسى بين ثنايا هذه العبارات كان چم جليل ، فهي إسقاطة سياسية اجتماعية ، توحي بفكرة اليوتوبيا - أو الأرض الفاضلة - التي تواجدت في ذلك الدهر الذي تدور فيه الرواية............
من الأشياء التي رصدتها الرواية بشكل مبهم في كثير من المشاهد هي قضايا المرأة ، مثلا ذلك الفكر الذي يجعل من الرجل كآلهة الإغريق في عائلة مصطفى عبد العال ، و أن الأم و البنات لا يجب أن يبدأن بالأكل قبل أن يبدأ الأب ، و أشياء مثل ذلك كثيرة ، فقد احتوت الرواية على إسقاطات سياسية و اجتماعية عديدة..........
و قد أظهرت الكاتبة رودينا موسى كيف أن شخصية مصطفى عبد العال هو أقرب ما يكون إلى إبليس نفسه !! فاستخدامها مثلا اسم الجن ( ساروخ ) ، و جعل مصطفى ينعته بابنه البكري يظهر ذلك ، ففي عوالم الجان ( ساروخ ) هو ابن إبليس البكري و الذي يُحَضر بطلاسم معينة ، و لا يحضر هذا الجن إلا عاريًا...........
و من أشياء التي تدل على استقصاء الكاتبة رودينا موسى الشديد لكتابة الرواية ، هي دقة المعلومات التي ذكرتها عن العديد من الجان ك ( خيتعور ) ، و ( ساروخ ) ، و ( سنجاب بن البواب )............
رواية مشوقة و مثيرة ، و كون أول عمل للكاتبة رودينا موسى بهذه الروعة ، فإن ذلك دليل على إبداع الكاتبة رودينا موسى ، و أنا في انتظار أعمالها القادمة بإذن الله تعالى........