وعلى مهل، خوفاً من الخروج سريعاً من عالم زافون، قرأت متاهة الأرواح، لتأتي كخاتمة طويلة، لطيفة وممتعة.

رباعية "مقبرة الكتب المنسية"، القصة المنسوجة بمزيجٍ من خيوطٍ الخيال وخيوط الواقع. القصة التي تصبح احداثها احيانا خرافية وعجائبيةً كالأحلام، وتصبح أحياناً واقعيةً بشكلٍ قاتم.

للمكان حضورٌ مميز في قصص زافون. انه يصف برشلونة بشكلٍ يجعلك ترى ازقتها، ومقاهيها، وتنظر عبر الواجهات الزجاجية لمحلاتها، وتستشعر القشعريرة التي تزحف تحت جلدك لمرأى بيوتها وقصورها المهجورة المحاطة بالحدائق الشعثاء والتماثيل والبرك المهملة. تشمّ فيها رطوبة الأرض المروية بالمطر، والزقائق العطنة، والمحلات التي تفوح برائحة المعقمات. تبتل بشتائها وتختنق بقيظ صيفها الرطب.

وأما الشخوص فلهم حكاية أخرى. فشخصياته عميقة، معقدة، لكنها في نفس الوقت غير متناقضة بل منسجمة ويسلّم بعضها إلى بعض. شخوص زافون أيضاً ديناميكية متغيرة وليست ثابتة، فهي تنمو وتتغير استجابةً للأحداث. أما روح الدعابة اللاذعة المتمثلة في شخص فيرمين روميرو دي توريس فحكايةٌ أخرى. ربما هي مثالٌ آخر لإعجابي بنوع الدعابة "الزنخ" 😅 وتتجلى مهارة زافون في رسم الشخصيات حين يصور العلاقات بينها. بالنسبة لي كانت علاقة دانيال سيمبيري بفيرمين روميرو دي توريس استثنائية، ربما كانت أجمل مافي السلسلة.

وريما علينا أن ننتبه هنا إلى أن هناك أبعاداً ربما يمكننا ان نصفها بالـ"شجية" تتمثل بشكلٍ خاصٍّ لأي كاتبٍ أو أي شخص ٍ مرتبطٍ بالكتابة بشكلٍ أو بآخر، ولعلي أتوقف هنا فيما يخص هذا الأمر.

لا تخلو كتب السلسلة من جرعة من البذاءة، وربما تكون هذه، كما أسلفت، من سمات الأدب الأوروبي، لكنها تبقى جرعةً أخف بكثير من بعض الأعمال الأدبية العربية.

هناك أيضاً وصف لبعض المشاهد الدموية والتي يبدو أنها جاءت بجرهة مخففة مقارنةً بواقع اسبانيا في الفترة الزمنية التي جرت فيها أحداث الرواية.

وبهذا، نكون قد اختتمنا رحلتنا في مقبرة الكتب المنسية، وتودّعنا مع أبناء عائلة سيمبيري.