التائهون > مراجعات رواية التائهون > مراجعة ميسم عرار

التائهون - أمين معلوف, نهلة بيضون
تحميل الكتاب

التائهون

تأليف (تأليف) (ترجمة) 4.3
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

#التائهون

لشد ما ابتهجت لأني تمكنت -أخيراً بعد فترة السبات الطويل- من الانتهاء من قراءة رواية، أذكر على وجه الخصوص طولها وزخم أفكارها، إذ تتألف من ٥٥٥ صفحة تدور أحداثها في ستة عشر يوماً فقط.

ولكني، على أية حال، حزينة جداً، ليس لأن الرواية كانت واقعية وعميقة بشكل موجع أكثر من الحد المطاق، ولا لأنها للأسف انتهت، ليس ذلك فحسب، وإنما أيضاً بسبب نهايتها المفجعة المقيتة التي تحمل شتاتاً وتيهاً أكثر وجعاً من ذاك الذي بدأت به، لماذا كان على أمين معلوف أن يختمها بهذا الشكل؟

ربما، وهذا أشد ما يثير الحزن في نفس القاريء، ليذكرّنا باستمرارية هذا الضياع ومدى قبحه، وإلى أي حدٍ غرقنا به دون ان نحاول بجدية الخروج منه أو أن تبوء محاولاتنا العبثية بالنجاح للخروج وإيجاد الطريق.

التائهون، كان اسماً مناسباً جداً، يخيّل إليك للوهلة الأولى أن معلوف يقصد بهذا الوصف أبطاله الأصدقاء العشرة الذين تفرقهم الحروب والثورات ليتيه كل منهم في حياة جديدة لمدة ربع قرنٍ لا يلتقون فيها على الإطلاق، ولكن يتبيّن لاحقاً أن التائهون هو وصف ينطبق على البشرية جمعاء في وقتنا الراهن، نخص بها العرب المشرقيين على وجه التحديد، الذين انسلخوا عن ماضيهم العريق ليغرقوا في الضياع وينزلقوا إلى القاع بشكل يثير القهر أكثر مما يثير السخرية.

لقد وضع الكاتب يده على الجرح العميق في عروبتنا، إنه السبب الدفين الذي فرق شملنا وفكك وحدتنا، إنها الانتماءات، اذا جاز التعبير، وكل ما يلحق بها كالقومية والأممية والطائفية وجملة الانتماءات الدينية والطائفية والحزبية، تلك التي لم تكن بحد ذاتها مشكلة ولكن عدم قدرتنا على احترامها وتقبلها واحتوائها كانت المشكلة الحقيقية، ومحاولاتنا لفرض انتماءاتنا على الآخر، فمن هنا بدأ الصدع وأخذت أرضيتنا بالتفكك.

حتى هاجمنا العالم ثم هاجمنا بعضنا فقامت الحروب والثورات التي كانت أطول مدة من الوقت الذي لم يكن فيه ثورات وحروب، ولا يمكن تسميته بزمن السلام على أية حال فقد ظلت الضغائن تتنامى وتتوالد لتتفجر فيما بعد وتخلّف دوياً مرهقاً تحمله الأجيال وتدفع ثمنه زمناً تلو الآخر!

مجموعة الرفاق العشرة كانت مميزة، فما جمعهم بالفعل كان تقبلهم لاختلافاتهم، وليس اختلافاتهم وحدها، كانوا مختلفين عن بعضهم البعض بطريقة متشابهة جداً تجعلهم يبدون جميعاً مختلفين عن الآخرين، فقد ضمت مجموعتهم المسلم والمسيحي واليهودي والعلماني واللاديني، وقد ضمت أيضاًالطبيعيين والمثليين والاناث والذكور، ولكنهم رغم ذلك تفرقوا، فرقتهم الحرب.

وكأن الكاتب يريد أن يظهر لنا كيف أن النار عندما تندلع في الهشيم لا تصيب بالضرورة مسببها ولكنها تصيب الاخرين الذين اختاروا ألا يكونوا جزءاً منها، ولكنهم على اية حال يصيرون كذلك شاؤوا أم أبوا.

إنه الصدع العميق الدي يبتلعنا واحداً تلو الآخر فندفع جميعاً ثمنه حتى أولئك الذين جاؤوا في محاولة لإصلاح الصدع، يلتهمهم.

ربما أكثرنا يدرك ذلك، فأنا أفعل، ولكن معلوف تمكن من قولبة هذه الأفكار والهواجس وترجمتها على هيئة كتاب مختلف ومميز، ليضعنا في مواجهة مع تاريخنا واخطائنا، وليذكرنا بأننا مازلنا ننزلق دونما توقف.

كتابٌ رائعٌ جدا يستحق فعلاً القراءة.

#ميسم_عرار

Facebook Twitter Link .
7 يوافقون
اضف تعليق