اقتباسات من رواية ملحمة المطاريد : الجزء الأول

تهدي الطبيعة وتجارب السابقين الأذكياء من البشر بعض سبل الفلاح والسلامة إنهم أولئك الذين يستفيدون من قوانين الأشياء حولهم، ومما عركه الذين دبت أقدامهم على هذه الأرض ورحلوا الأحمق فقط مَن يظن أنه جاء بغتة، وسيظل معلقًا في الفراغ، لا

يطارد الشرُّ الخير، كما تطارد الضواري فرائسها فوق الجبل الذي يراه الناس إن ركبوا الجسر أو اعتلوا أسطح الدور. تُخبئ الأيام في جعبتها ما لا يكون في الحسبان، وترمي بحمم الجحيم إلى الجنة الوديعة الهانئة، فتغلي القلوب بالضغينة والبغضاء.

‫ تهب العواصف على الزروع التي تنيخ للنسيم العليل في هدوء، وتضرب نوافذ البيوت، فتصطك محدثة جلبة عارمة، تثير في النفوس خوفًا مما يلوح في الغيب، لا سيما لأولئك الذين يعرفون أن الشيطان الرجيم لم يترك بقعة على الأرض إلا ونصب فيها فخاخه.

الأقدام الغليظة التي تدوس العشب لن تعيق نموه طالما المطر ينهمر غلق النوافذ لن يمنع الرياح من الانطلاق، إن جاء أوان هبوبها الستائر السوداء السميكة لن تحرم نور النهار من معانقة الغرف الحبيسة الزمن يجري سريعًا، ويجرف أمامه كل شيء،

❞ الخطوة سابقة أختها‏

‫‏والعمر وَلَّى هرايب‏

‫‏دي عيلة مال بختها‏

‫‏ومين يلم القرايب‏ ❝

❞ الخطوة سابقة أختها‏

‫‏والعمر وَلَّى هرايب‏

‫‏دي عيلة مال بختها‏

‫‏ومين يلم القرايب‏ ❝

❞ صابر والزمن غدَّار .. يعانــــد اللي يريده

⁠‫بيده كاس مُر دوار .. كل ما ينقص يزيـده ❝

‫‏الخطوة سابقة أختها‏

‫‏والعمر وَلَّى هرايب‏

‫‏دي عيلة مال بختها‏

‫‏ومين يلم القرايب‏

، الذي يعرف الناس كيف يجود بكل ما يقدر عليه حتى تنزاح الغُمة.

‫ للقصر طريق آخر إلى الجسر، لا يصل إليه الماء، فيصبح هو الرئة الوحيدة التي تتنفس منها القرية طوال أيام الفيضان. ينفتح الباب الخلفي عن العبيد والخدم، وهم يحملون قفف الخبز، وبلاليص الجبن القديم والعسل. ينبعثون وسط الناس، يوزعون عليهم ما حملوه.

أكل الماء النجع راح كأنه لم يكن كما تركه الأوائل، واحتفظوا باسمه معتقدين أنه يأتي إليهم بالبركة ونعمة العيش ولو على الحافة وحده قصر السيد الذي بقي واقفًا، يصد عنه سور صلب، ومعه بيت «آل الجابر» الذي كان نصف جدرانه من أحجار الجبل شارك النخيل والأشجار العالية هذين البيتين الصمود، ومعهما مئذنة الجامع الذي كان الجد «رضوان» قد بناه بالأحجار قبل خمسين عامًا أو يزيد ‫ اختفت المعالم التي ألفتها العيون سنين عددًا، ولم يبقَ منها سوى الحسرات على ما ضاع انقبضت القلوب بالمخاوف من الأيام الآتية، وكاد يقتلها القلق العارم لم ينعقد الرجاء سوى في كرم صاحب القصر، الذي

‫‏الأرض وش مقسوم ‏

‫‏بين الغنم والديابة‏

‫‏والفتنــة لـمَّا تقــوم ‏

‫‏تكسر قلوب الغلابة‏

تموت بعض الأسرار برحيل الذين حفظوها في رؤوسهم فلم تبرحها. بعضها لا يطيق أصحابها عليها صبرًا فيهمسون بها لصديق أو صاحب. في الغالب فإن السر لم يعد سرًّا إن صار بين اثنين. هناك أسرار تُهتك لا بما ينطقه الذين يكتمونها، إنما بسكناتهم وحركاتهم التي يحصيها مَن يراقبونهم ويتعقبونهم بعناية.

تركب الأيام ظهور الخيل المسومة، وتجري بها ما وسعها، لتمضي هينة لينة، فإن تعبت تباطأت لتصبح الساعات أثقل من جبال تجثم على الأبدان والنفوس المهيضة التي يأكلها الوقت، فتغور الأفراح وينهمر الأسى. لكن الواثق في فضل الله وعدله لا يضنيه تقلب الزمن، بل ينظر إلى هذا، ثم ينادي الأمل.

راح الوجيه الأصيل‏

‫‏سايب وراه الهوايل‏

‫‏يجي زمن العويل‏

‫‏يهد شمل العوايل‏

تموت بعض الأسرار برحيل الذين حفظوها في رؤوسهم فلم تبرحها. بعضها لا يطيق أصحابها عليها صبرًا فيهمسون بها لصديق أو صاحب. في الغالب فإن السر لم يعد سرًّا إن صار بين اثنين. هناك أسرار تُهتك لا بما ينطقه الذين يكتمونها، إنما بسكناتهم وحركاتهم التي يحصيها مَن يراقبونهم ويتعقبونهم بعناية.

تركب الأيام ظهور الخيل المسومة، وتجري بها ما وسعها، لتمضي هينة لينة، فإن تعبت تباطأت لتصبح الساعات أثقل من جبال تجثم على الأبدان والنفوس المهيضة التي يأكلها الوقت، فتغور الأفراح وينهمر الأسى. لكن الواثق في فضل الله وعدله لا يضنيه تقلب الزمن، بل ينظر إلى هذا، ثم ينادي الأمل.

لا تجري المقادير دومًا بما انعقد في الرؤوس. في حالات أعيا البشر إحصاؤها يكون الواقع أسبق من الخيال، وعلى الفطِن أن يحسب لكل طارئ ومباغت، ويفهم هذه الهوة التي تتسع بين التفكير والتدبير. فحتى الخطط المُحكَمة التي يضعها قادة متمرسون في فنون الحرب، لا يتم تنفيذها وفق ما تأملوا وقدَّروا.

الأقدام الغليظة التي تدوس العشب لن تعيق نموه طالما المطر ينهمر. غلق النوافذ لن يمنع الرياح من الانطلاق، إن جاء أوان هبوبها. الستائر السوداء السميكة لن تحرم نور النهار من معانقة الغرف الحبيسة. الزمن يجري سريعًا، ويجرف أمامه كل شيء، لكنه لا يقدر على تبديد الحكايات.