اقتباسات من رواية مجرد 2 فقط

في الحرب، ليس هناك رصاص طائش، كل الرصاص يطلق ليقتل، لا ليطيش.

من يريدها فليبحث عنها في مكان آخر، هذه الفلسطين! و بحث أبي طويلا، بحث كثيرا، ثم قال: كان بيننا و بينها باب واحد، و كلما مرّت سنة أبعدونا إلى مكان آخر، فإذا بالباب يصبح بابين، ثم ثلاثة أبواب، فأربعة، اثنين و عشرين بابا"! و لم يعد يسمح لك أن تموت كما تريد! و لم يكن مسموحا" لك أن تعيش كما تريد! أيّ حياة هذه? كل هذه السنوات و أنا أحاول الوصول إلى عتباتها، فإذا بي أصل إلى عكّاز!

ليس ثمة ضرورة لأولاد يذبحون هكذا أمام أعين آبائهم! ليس ثمة ضرورة لتكرارنا، تكرار المذبحة فيهم و الهزائم، سيأكلوننا بأسنانهم حين يكتشفون أننا ألقينا بهم ضحايا إلى هذا العالم!

قال لي: لقد أشبعتَني كلامًا عن بطولاتك، وإذا بها وهْمٌ، ليسَ أكثر!

‫ قلتُ: كنتُ بطلًا حين كنتُ أنا!

قال: مشكلتنا معكم أن الفلسطيني موجود في المكان الذي هو فيه، والمكان الذي جاء منه والمكان الذي سيعود إليه!

وقلتُ له: يقال إن الأمريكان حسبوها، فوجدوا أن القضاء علينا بواسطة الأيدي العربية المحليّة، أقلّ كلفةً من إرسال المارينز بكثير! وإن المعركة تكون أخويّة، وإن بإمكاننا نحن دائمًا أن نمسحَها بالّلحية، ونتصالح! أي نتضامن! وإن فرْق العِمْلة، فرقَ العمليَّة! سيكون من نصيب الذين ينفذونها!

وسيطلقون عليه النار، ويقولون: إنه لنا الآن، ها نحن قتلناه! لكنهم لم يطلقوا النار، فقد كان هناك مراقبو اللجنة العربية العليا ومبعوث الجامعة العربية، والصليب الأحمر الدّولي و.. كلهم جاؤوا بعد نفاد رصاص المهاجِمين! وكنا نركض ونعدُّ أنفسنا لحصار مقبل، حيث أصبح من حق الجميع أن ينالوا حصّتهم، حصّتهم كاملة من لحمنا!

وحدّقْنَا في وجوه بعضنا بعضا، وحدّقنا في أُمنا، وتساءلنا: هل سنضطرُّ لأكل واحد من أخوتنا. أم سنبدأ بأمّنا؟!

‫ وأعادوا إذاعة الفتوى، ردّدوها كنشيد! حتى إذاعتنا ردّدتها! وكان الخبز على بعد خمس دقائق منّا! كل شيء، الحياة الكاملة، كانت على بعد خمس دقائق منا، تقطعها الرصاصة في لحظة!

‫ وقالت أُمي: ألا يكفيه أنه حلّل لحمنا لكل هذه الأسلحة، ولهم، حتى يدفعنا إلى أكل بعضنا على سُنَّةِ الله ورسوله؟!

وقال أبي: ستأتي النجدة، العالم لن يصمت!

‫ وقالت أمي: لم تكن هناك نجدة في أي يوم من الأيام!

وقلت: لم أعد قادرًا على النوم.

‫ وقال لي: الذي لا ينام يصحو قبل الجميع!

لم نعرف مَن مات! كل الألسنة انعقدتْ، حتى ألسِنَة الصغار. كأنَّ الرّصاص قد سُكِبَ في حناجرهم! والذي مات لم نعرف متى مات، أو كيف، والذي بقي على قيد الحياة كنا نشكُّ فيه!

لم نعرف مَن مات! كل الألسنة انعقدتْ، حتى ألسِنَة الصغار. كأنَّ الرّصاص قد سُكِبَ في حناجرهم! والذي مات لم نعرف متى مات، أو كيف، والذي بقي على قيد الحياة كنا نشكُّ فيه!

شوارع العاصمة المزروعة بآلاف الأعين المعدنية الباردة.

وقال: وما الذي ستفعله الجماهير؟!

‫ قال أبي: تتظاهر، تحرق الأرض تحت أقدام زعمائها!

‫ وقال جارنا: منذ أيام والإذاعة تطلبُ منهم أن يحرقوا الأرض؟!

‫ فقال أبي: ربما ستهبُّ الجماهير، ربما ستحرق الأرض، ربما…

ومدّت أمي يدها للخبز ووزّعته بيننا، وقالت: كلوا، فلما أكلْنا قلنا لها: أنت لم تأكلي.

‫ فقالت: أنا أكلت زمان، أكلت قبلكم، وكانت تَضْمُرُ.

شوف، إنّ أفضل ما يمكن أن يفعله الفلسطيني أحيانًا، أن يُنجِب، فاهم!

‫ وصمتَ طويلًا ثم قال: لو كانوا يعرفون أن يدي مبتورة، لما دعوني للاحتفال.

‫ قلت: لماذا؟

‫ قال: لأن يدًا واحدةً لا تُصفّق! وحاول أن يضحك.

كنتُ صغيرة نعم، ولكن من قال إن عيون الصغار أقلُّ اتساعًا من عيون الكبار؟

قلت للآخر: من أين يأتي السّواد؟!

‫ قال: اخلط الألوانَ كلّها في وعاء واحد، يكون السّواد!

نحن ننسى لنعيش، لكننا لا ننسى تمامًا، كي لا نموت!‏