اقتباسات ميرال الطحاوي

من الانتشاء والانتعاظ، توقفت كل أجهزته الحيوية لبرهة، وبدا مكتفيًا بمراقبة الضوء القادم من باب الشرفة ينسكب على جسدها في لوحة فاجرة ونادرة وأليفة، بعد عدة دقائق دفع الزجاج بيديه ليغلق النافذة تمامًا، ثم يهوي على الجسد المستلقي الحالم بالقُبَل.

أن انتهت عملية الإخلاء بعدد من حركات التمايل الإيقاعي المثير، حدث ما لم تجرؤ أي فتاة أخرى على فعله، خلعت العاهرة الصغيرة ملابسها بسرعة مذهلة، واستلقت مثل حورية بحرية بشعر مجعد، وجسد بديع نحيل، وبردفين مستديرين، وبثديين صغيرين قليلًا لكن

والتلميح بأن ذلك النَّسَب لم يعُد واردًا، تقول بلا مناسبة عند عبور "نجوى" أمامها: "ربنا يعدِّلها لكم ويستر بنتك يا أخويا".. كانت تقول ذلك لترفع الحرج عن أمنياتها السابقة والتي صارت محلًّا لإعادة النظر، متكئة على

متورمتين من تحت لحافها وتعلن لـ"نجوى" نبوءتها: "أبوك زي القرش الممسوح مطرح ما ترميه يرد لك.." كانت تقول ذلك من باب التكهن بأن الرحلة لن تستغرق طويلًا، لكنهما صمدا لعامٍ دراسي، وجاءا في الصيف محملين بالبُن الأخضر وأكياس الشاي الهندي

لم تهدأ حتى اقتادت زوجها مرة أخرى ليجرِّبا حظهما في أحد جبال اليمن، كان ذلك هو المكان الوحيد الذي أهَّلته لها إعارتها الحكومية بعد أن تسابق زملاؤها الأكثر خبرةً على بلاد أكثر غنى، كانت تلك المحافظات الجبلية البعيدة هي المكان

قادت إلى تلك المواجهة العسكرية بين مصر وليبيا وتم إلغاء مادة الوطن العربي من مقررات المدارس، وأصبح من الضروري أن يمتثلوا لقرار طرد العمالة المصرية فخرجا معًا مثلما جاءا بعربة بيـﭽـو محملة بما استطاعوا حمله من مقتنيات

المُسَافر، اشْترِ الورد لعلَّك تُقَابل في الطريق مَن يَستحقُّه».

تبدو تلك الأرض التي أُجبرت لسبب ما على تركها خلفك دائمًا جميلة وبعيدة وعصيَّة على الاستعادة، تصبح زمنًا مقدسًا، أو حُلمًا رومانتيكيًّا لا يمكن تعويضه أو تجاوزه في ذاكرتك.

لم يلحظ "أحمد الوكيل" تغيرًا يُذكر في صورة أمه،

❞ «يا سماوات لو تبددت غيومك! الطير إن هجر لا يعود، ولا يرمي المكاتيب... الطير إن هجر نسَّاي». ❝

❞ حتى جاءت تلك الخماسين المغبرة.. تقول إنها جنيات الصحارى رغم أنها لا تخاف الشتاء بسيوله الجارحة وتقول دائمًا: «السيل له مجرى، لكن غبار الصحارى لا بد أن يخطف حبيبا». ❝

مشكلة أم نجوى الوحيدة تنحصر في اعتقادها أن كل شيء حولها يتدهور وأن عليها إيقافه

❞ كنت في البداية أخاف، أخاف العتمة والصمت والسحالي التي أراها في النهار خلف الصوامع، تتلمظ بشره وتختبئ في الشقوق، وأخاف نباح «عساف» وعواءه وأخاف نقيق الضفادع الذي كان يأتي من بعيد، من الأرض المزروعة خلف البيت، ولكن الأرق يأكل المخاوف، والنوم مليء بالكوابيس، والعتمة وشاح. ‏ ❝

❞ ‫الصباح مثل كل الصباحات السابقة، مليء بالتوتر والقلق، أفهم ذلك حين لا تفتح أمي باب حجرتها، أو حين تفتحه لتنظر محدقةً فينا بعينين جزعتين كان نحولها ووهنها، صورتها والعروق الدقيقة فوق جفنيها وأنفها المتورم من فصد الدموع تملأ قلبي بالاختناق ❝

اتّكأت على الماكينة وغنّت: «يا ريت زمانك وزماني يسمح لي تاني» وتغنّي أيضًا بعض الأغاني التي تضحك البنات لها، ويعلو حاجب الستّ أمّ حنان وينخفض في حركة مليئة بالمعاني، وهي تشدو «ارخي الستارة اللّي في ريحنا لَحْسَن جيرانك تجرحنا» فتحة

بعناية وحرص بخازوق من الحديد. الأباريق وحدها لها قضيب ضخم ناتئ صلد تحمله النساء إلى الخلاء ليدسسنه بين الأفخاذ، والإبريق يهرق الماء بلا حياء..، في الفاخورة أشياء أخرى للبيع؛ عرصات للأفران، زير للماء ضخم وواقف بانتصاب وذكورة

الغجري، وتقول: «كلّ الرجّالة أولاد قحاب يا هبلة، ومثل الكلاب، ولا يتشعلقون إلاّ من قضيبهم». تقول ذلك بحكمة امرأة عرفت كلّ أشكال الرجال في حياتها الطويلة، وانتهت إلى سنن الحياة.

فاطيما لا تصلح موضوعًا لمفهوم الصداقة، إنّها فقط تجعلها تفتقد أكثر لهذه الكلمة: الصداقة. وهي الرغبة في الفضفضة أمام إنسان يدّعي قدرًا من الاهتمام بما يجري لك. وهذا ما لم تكن فاطيما قادرة عليه. كانت مشغولة بالفقاعات وبجِلدها ومست

أنت حنبلي أكثر من ابن حنبل؟».

‫ يبكي الابن الأكبر، ويضحك الأب الذي استعاد قدرته على الدعابة، وهو يؤكّد أنّ البيرة «اختراع فرعوني عظيم».

هي الحقيقة الوحيدة التي توصّلت إليها في النهاية أن تسير، وأن تشعر بأنّ ثمّة من يكترث لوجودك، وأن تشعر بأنّك قادر أن تُحِبّ وأن تُحَبّ، وأنّ الأشياء لم تفلت كلّها من يدك، العمر، والمحبّة والأحلام ترى هند في سعيد ملامح