اقتباسات رانيا بيومي

الوحدة قد تكون أفضل الاختيارات حين يكون كل شيء من حولنا غريبًا.. فالغربة الحقيقية ليست هي غربة المشاعر والأحاسيس، وليست كذلك غربة الأماكن.. غربة الشعور بالوحدة وسط من نعرفهم جيدًا.. غربة من نوع مختلف تضطرنا أن نلوذ بأنفسنا ونتجنب الاختلاط بالآخرين..

ضغائن صغيرة كثيرة جثمت على صدر كل واحد منهم.. لم يعرف التسامح أبدًا طريقًا لقلوبهم.. ظلت الضغائن تتراكم حتى أصبحت عبئًا ثقيلاً على صدر كل منهم، وأصبح يلقى بالاتهامات الجزافية على الجميع حتى يشعر أنهم السبب فيما آل إليه حاله.

‫ كلمة التسامح لم تعرف طريقًا لقلوبهم أبدًا.. فالبعض يعتبر التسامح ضعفًا والبعض الآخر لا يعرف معنى الكلمة من الأساس!

مثّلتْ أيام طفولتي خيطًا مشدودًا بين أمانٍ هشّ بجوار أمي واضطرابٍ لم أكن أفهمه، كانت حياتي وقتها كمسرحية لا تنتهي، أؤدي فيها دورًا لا يناسب عمري، أتحمل ما لا يُفترض بي احتماله، وأتساءل في صمت: هل سيأتي يوم يهدأ فيه هذا الضجيج الداخلي؟

أن القوة الحقيقية تكمن في أن نحتفظ بالحب في قلوبنا، وأن نعيش حياتنا بكل ما تبقى لنا.

تحاول بكل ما لديها أن تملأ فراغ الحياة بصمت، أن تحب دون كلمات، وأن تعطي دون أن تنتظر المقابل.

‫* * *

أمي عنيدة في صلابتها، حادة في تصميمها، تحملنا وتحمل همومنا على أكتافها وحدها ولا تشتكي أبدًا.

تلك الزيارات الأسبوعية القصيرة المحببة الى قلبي، تلك الكائنات الصغيرة الدافئة، أعز ما لدينا في الحياة.

ينتابني أحيانًا ذلك الشعور بأن العمر قد سُرق مني، انسابت السنوات من بين يديّ كما تنساب مياه الأمطار على الطرقات وتذهب هباء، أفلتت الأيام من بين يدي، وتبعثرت تفاصيلها على كل الدروب التي خطوت عليها.

العمر قد مضى سريعًا دون أن يترك لي فرصة لالتقاط الأنفاس، مضى بعد أن أخذ معه جزءًا كبيرًا من الصحة وراحة البال.

علّمتني أن الحياة لا تتوقف عند أي خسارة، بل تستمر بقدر ما نستطيع نحن أن نستمر معها.

أذهب إلى البحر كأنني ألتقي صديقًا قديمًا، أقف أمامه مشدوهة، أراقب مياهه وهي تهمس لي بما لا يقوله أحد كأنها تعرف كل ما بداخلي دون أن أنطق، أشعر بأن البحر يحملني، يخفف عني ما أثقلني، يأخذ أوجاعي معه إلى أعماقه ثم يطمرها تحت موجة هادئة، أجلس معه كمن يطلب الصفح عن كل شيء، أجري معه حوارًا صامتًا ثم أنهي جلستي وأمضي، ولكن بروح أخف قليلًا.

تلك الرحلات إلى الماضي، إلى البحر وإلى البيت القديم، تجعلني أدرك أن الحياة ليست إلا فسيفساء من لحظات متشابكة، بعضها مليء بالحب والبعض الآخر بالخسارة، لكني تعلمت أن أحتضنها كلها لأنها هي ما جعلتني أنا.

صافرة الغارة كانت كصفعة توقظ الجميع من أوهام الأمان. في تلك اللحظة، نصبح مجرد أجساد ترتجف تحت وطأة الخوف، أطفال يتشبثون بأمهاتهم، ووجوه الجيران التي عادة ما تحمل الابتسامة تتحول إلى أقنعة جامدة.

إذا دققت النظر قليلًا في مقلتيّ عينيّ ستجد انعكاس حالتي النفسية متمثلًا في صورة البحر، فإذا كانت روحي ساكنة يكون البحر ساكنًا في مقلتيّ، وإذا غضبتُ يثور الموج ولا يهدأ حتى أهدأ.

انسابت السنوات من بين يديّ كما تنساب مياه الأمطار على الطرقات وتذهب هباء، أفلتت الأيام من بين يدي، وتبعثرت تفاصيلها على كل الدروب التي خطوت عليها.

نعتاد النِعم كما نعتاد الهواء الذي نتنفسه، نعيش بها وحولها كأنها حق مكتسب دون أن نكترث للحظة بهشاشتها، ودون أن ندرك أننا قد نستيقظ يومًا فتغادرنا، تاركة وراءها فراغًا صامتًا يشبه صدىً قديمًا لذكرى سعيدة، لم أفهم ذلك إلا بعد أن غادرتني نعمة الونس، تلك التي لم أكن أعرف حتى أنها كانت نعمة. هيمنت عليَّ دورة الحياة اليومية بمشاغلها، وانشغلت في تفاصيلها الصغيرة دون أن ألتفت إلى الألفة التي كانت تحيطني كغلاف دافئ، حتى وجدت نفسي فجأة بين جدران بيت بارد في منتصف قيظ أغسطس.

❞ وذبلت بعد أن كنت وردة متفتحة مشرقة، أصبحتُ ظلًا باهتًا لنفسي، شيء ما في داخلي انكسر ولم يعد كما كان، كنت أبحث عن إجابات، عن معنى، لكنك أخذت كل شيء معك عندما غادرت، لم تترك لي سوى فراغٍ واسع ❝

❞ اعتقدت في أوقات كثيرة أني سوف أجن منه، ومن مراقبته لي وتسلله إلى عقلي وتمكنه منه خلية بعد خلية، وحال سيطرته على كل تفكيري يُظهر تلك الابتسامة الخبيثة التي تعني انه تمكن مني، ولن يُفلتني من قبضته. ❝