* قراءات سابقة للكاتب *

لا يوجد.

-------------------------

* نظرة على الغلاف *

صراحة لم يعجبني. غلاف باهت جداً ولم يعبر عن محتوى الرواية بما يليق بجودتها. غالبية أغلفة الروايات الصادرة عن دار المحرر لا ترقى لمستوى النصوص الجيدة التي تقدمها الدار.

اتمنى الاهتمام بشكل أكبر بتصميم الأغلفة في الفترات القادمة.

-------------------------

* المميزات / نقاط القوة *

- حبكة اجيال بمذاق خاص جداً جداً.

- تكنيك سردي عكسي اكثر من رائع.

- شخصيات غنية وثرية جداً.

- لغة حوار تطرب لها عين وعقل القارىء.

- نهاية ممتعة مُغلفة بواقعية سحرية غاية في الجاذبية.

-----

* العيوب / نقاط الضعف / الملاحظات *

- مقدمة الرواية سلاح ذو حدين.

- كنت أفضل الثبات على نمط الراوي المتكلم او العليم وعدم الخلط بينهم في قليل من المواضع.

-------------------------

* فلسفة / رسالة الرواية *

تاريخ اي امة تحمله الاماكن والموجودات. هي شاهد على كل العصور وتحمل على جدرانها وبين جنباتها حكايات صانعيها وقاطنيها ويبقى ان نجد من لديه القدرة على استخلاصها وتقديمها لنا في صورة مرويات منها نفهم ونتعلم اين كنا وكيف اصبحنا والى اين نسير في قادم الأيام.

-------------------------

مراجعة الرواية:

لسنا بصدد رواية اجيال تقليدية بالمعنى المعروف. لن نقرأ حكاية كلاسيكية تشبه غيرها. ربما نعتبرها رواية مكان وهذا هو التصنيف الأقرب لي شخصياً. ماذا لو اضفنا شيئاً من الواقعية السحرية على طريقة ( اوسكار وايلد ورائعته الخالدة صورة دوريان جراي ) ؟.

النتيجة: حكاية انسانية في المقام الأول تحمل الكثير من الوعود بتجربة ادبية غنية.

* الفكرة / الحبكة *

قطعة أرض يحيطها سور قديم لم يتأثر بتداعي الأحداث على ما يحدث بداخل محيطه. كانت مشتلاً لزراعة النباتات ليعبث بها الزمن وتصير مصنعاً للشوكولا ينافس ماركة كورونا الشهيرة ولاحقاً يطأها الزمن مرة اخرى وتصير سنتر كبير متعدد الطوابق والخدمات وختاماً تعود سيرتها الاولى كقطعة أرض لا يحوطها الا نفس السور.

هذه الأرض حافلة بحكاية اجيال اتت ورحلت ولم يتبقى منها الا ذاكرة واحداث محفورة في جنبات سورها الذي اعتبره الراوي الأصلي للحكاية حتى وان لم يحدث هذا بشكل مباشر.

خليط ادبي جمع الكثير من التاريخ ، الجغرافيا والأهم العنصر البشري ؛ هو من صنع التاريخ وسكن الجغرافيا وترك لنا حكايات اثيرة تستحق ان تروى يوماً ما.

* السرد / البناء الدرامي *

اعتمد الكاتب على اسلوب السرد العكسي في قص حكايته الجذابة تلك. من شاهد منكم الفيلم الإيطالي ( Irreversible ) للممثلة الشهيرة مونيكا بيلوتشي سيفهم ما اقصده تماماً. الفيلم تشاهد أحداثه وكأنها تسير للخلف. بمعنى بداية الفيلم هي نهايته وتقودنا المشاهد التالية لما قبل تلك النهاية بتتابع عكسي الى ان نصل الى كيف بدأت الأحداث التي اوصلتنا لختامها.

نفس الشيء هنا استخدمه الكاتب في سرد احداث الرواية. هو تكنيك يصعب تطبيقه جداً وبمنتهى السهولة قد يتسبب في فشل وسقوط النص الأدبي لو شابته أقل هفوة. اشهد هنا بنجاح تلك الطريقة رغم ما تسببه في البداية من ارتباك سيصيب القارىء لا محالة وقد يقرر ألا يكمل قرائتها !. ادعوك عزيزي القارىء ألا تتسرع كي لا تحرم نفسك متعة ادبية ذات مذاق خاص جداً ومختلف.

احياناً كان يخلط الكاتب بين اسلوب الراوي العليم والمتكلم خلال نفس الحدث بشكل لم اكن احبذه شخصياً لكني لن اتوقف عند تلك النقطة كثيراً تقديراً لصعوبة التكنيك الذي استخدمه كما ذكرت.

البناء الدرامي قسم الحكاية الى اربعة مراحل زمنية من عمر الوطن لم يتم عنونتها بشكل واضح. هي تُحكى من خلال شخصيات النص فقط ويمر عليهم الزمن ليصبغهم بخلفياته ومحطاته الرئيسية التي نعرفها جميعاً.

يمكننا ان نعتبر انفسنا أمام نص هرمي الشكل. الفارق اننا سنبدأ رحلتنا من قمته وننحدر نزولاً شيئاً فشيئاً لنعرف كيف وصلنا لها من الأساس. كل حدث نواجهه سنشهد نتيجته اولاً قبل ان نفهم مقدماته لاحقاً وهكذا دواليك حتى الوصول لأصل الحكاية.

هي رحلة مرهقة نوعاً من خلال مجموعة من المطويات المتناثرة هنا وهناك وبتجميعها تتشكل حكاية طويلة زمنياً ، سريعة الايقاع بشكل مذهل لكنها تحمل متعة مضاعفة يستحقها من يقرر خوضها واستكمالها حتى النهاية.

احسنت صنعاً عزيزي الكاتب.

* الشخصيات *

لكل مرحلة زمنية شعبها الذي يميزها. من الباشوات والبكوات ، مروراً بابناء الصمت ثم الآكلين على كل الموائد ونهاية باللعب مع الكبار.

قمة الهرم هي ( نعمات ). امرأة في اواخر العمر تبحث عن جسدها الذي فقدته على مدار عقود طويلة وبصحبتها ( زينة ) الفتاة الغامضة التي تعثر على مطويات داخل منزل مخدومتها بها اجزاء من حكايات مبتورة لا معنى لها.

بعد ان نهبط درج الهرم نبدأ في اكتشاف رجال ونساء في حياة نعمات لهم علاقة وثيقة بمصيرها وحكايتها الأغرب التي امتدت من قبل ولادتها - عصر الباشوات - وحتى ( عم حجازي ) حارس بوابة المنزل الضرير.

سنتعرف على ثنائي مذهل ( ميمي و زيزي ) اكثر الشخصيات ابداعاً وتألقاً واللذان مثلا ثلثي الرواية تقريباً. أيضاً هناك ( أحمد ضرغام ) احد ابناء الصمت فعلاً وقولاً ، ولا ننسى ( يحيى خليل ) الوصولي ولاعق أحذية كل العصور !. ماذا عن الشيخ ( عبود ) كتاجر بارع في بضاعة الدين ؟.

الملاحظ ان كل الشخصيات ستجد لها مثيل يشبهها في الواقع بدرجة كبيرة. يمكنك اسقاطهم جميعاً على ما مر بنا من احداث وتاريخ يمتد لعقود طويلة ولن تجد غرابة.

على قدر كثرتها نوعاً على قدر تشبثها في ذاكرتك وتعلقك بها حتى بعد انتهاء دورها في احدى مراحل الرواية. البصمة الشخصية لا يمكن محوها والأثر المتروك محفور على جنبات السور وممتد مهما تداعت الأيام وكثرت الحوادث.

شخصيات نُسجت بدقة من قماشة الشعب المصري على اختلاف اطيافه وخلفياته.

* اللغة / الحوار *

لغة السرد يمكن وصفها بانها موجزة وعميقة في آن واحد. ما قل ودل. لن نغرق في الكثير من التفاصيل التي تركها الكاتب كي نتعرف عليها من خلال الحوار.

لغة الحوار انقسمت الى جزء اكبر تمثل في الحوار الذاتي الصامت ، اما على لسان احد الشخصيات بمفردها او قد يكون تبادلياً بين اكثر من واحدة على طريقة توارد الخواطر. ستفهم ما اقصده عندما تغوص في اعماق الفترة التي ظهرت فيها شخصية ( أحمد ضرغام ) الذي لم ينطق بكلمة واحدة على الإطلاق وجُل كلامه كان خواطره الداخلية. كذلك عند ظهور ( ميمي الجنرال ) و ( أبله زيزي ). حديث داخلي صامت يتبادله كلاهما يحمل شتي صنوف واشكال الحوار البشري كالاخذ والرد والاقناع والاعتراض الخ. طريقة غير تقليدية لتقديمه. هناك بالطبع الحوار بشكله التقليدي لكنه يمثل النسبة الأقل.

حتى كلاب الخرابة ( قطعة الأرض ) شملها الكاتب بحوار ذاتي يحمل اسقاطات اجتماعية ثقيلة المضمون.

الحوار جاء بالعامية وهو الأفضل طبعاً. كذلك ابدع الكاتب في اللثغات وما شابه والتي كانت ساخرة جداً واضافت عنصر جاذبية اضافي لمتعة الحوار بكل تأكيد.

* النهاية *

وصلنا الى البداية ؟. نعم. من أنا ؟ اذاً لنكشف المستور ونفهم ما استغلق علينا ونفتح الباب لنخرج الى النور على صوت شاعر الخرابة الاثير.

فاصل مبهر من الواقعية السحرية يستحق ان تتذوقه وحدك بعد عذاب الرحلة الطويلة.

-------------------------

ختام:

تمتع بالصبر عزيزي القارىء ولا تنزعج مما قد يصيبك في البداية من بعض الارتباك ، فالأفضل لم يأت بعد.

* اقتباسات *

❞ الشيكولاتة لا يمكن تدجينها. هي بنتُ الحرية ورفيقةُ الخيال المفتوح. يصنعها مغامرون وأنصاف أنبياء وعشَّاق مُعذَّبون ومُحبُّون للحياة. ❝

❞ سألتْ ميمي وهو يحتضن لولو ذات ليلة عن القطط السِّمان. أقصد المليونيرات.. من يمتصون دم الغلابة.. يأكلون مال النبي ويُحَلُّون بأموال الصحابة. ❝

❞ سألها كيف تُصهلل الأفكار في رأسها دون أن تشرب الحشيش؟. ❝

❞ كلما تنتهي خرابة تصنع المدينة أخرى. ❝

❞ ما جدوى الحديث معكِ يا زيزي أو مع غيركِ؟ كل الأحلام الكبيرة انهارتْ على رءوسِنا.. فبلعنا ألسنتنا ومات الكلام.. نحن جيل الصمت وأبناء الخَرس.. إذا نطقنا سننطق كُفرا.. الصمتُ أصدَقُ أَنباءً. ❝