هل وصل الحد بنا أن نكتب رموز ونقوش مبهمة على جسم المتهم بآلة حادة تحتوي على الكثير من الإبر؟ بل وهذه الآلة مخصصة للتعـ.ـذيب والمُـ.ـعذِب يستمتع عند بدء هذه العملية؟

متهم لا يعرف بماذا حتى هو مدان يلقي حتفه في سبيل استمتاع الذي يعـ..ـذبه؟

وعند الأمر بعدم استخدام هذه الآلة لأنها غير آدمية يبعث لمستكشف لكي يُشكى منه؟

العمل: مستوطنة العقاب

الكاتب: فرانز كافكا

ترجمة: مصطفى جمال

صادرة عن دار إبهار للنشر والتوزيع

عدد الصفحات: 84 صفحة

عمل قصير يُنتهى منه في جلسة واحدة بتركيز، يؤخذ جرعة واحدة لكي لا تكتئب إذ أبقيته مدة معك في القراءة.

لم يسبق لي القراءة لمثل هذه الفكرة السوداوية، ففرانز كافكا هو ملك السوداوية، أولى تجاربي الناجحة مع مثل هذا التصنيف، على غير المعتاد.. أحببت ترشيح قارئة لا أتبع دائمًا ذوقها في القراءة خاصةً في الكتّاب الذين لهم زمن في السوق.

من الأشياء التي يمكن أن تدل على أن هذه الرواية سوداوية، هو القدرة العبثية على التعاطف مع الحكاء لمدى عمل الآلة الحادة وكيف إنها تساعدهم في تنفيذ الأحكام، حتمية الشر في هذه الرواية تجعلها سوداوية بدرجة مخيفة.

التلذذ بتعـ.ـذيب الآخرين وعدم الشفقة عليهم ..هل تعتبرونه شيء عادي؟

أرى في الوفاء للشر بشاعة لم أراها في الشر نفسه النابع من الشخص نفسه!

حتى المتهم، ليس عنده فرصة للتبرير عن ما اقترفه.

شخصية الضابط الذي يتتبع نظام حاكمه القديم الذي لم يعد موجود، أعتقد في بداية تعرفه على هذه الآلة.. أنه حاول أن يفهم ماذا يجري ولماذا كل هذا؟ كما حاول المستكشف، أراه تصَارع مع نفسه في كيف سيقضي على حياة أطفال بسبب أنه لم يرحم والدهم من عـ.ـذاب الآلة، أو كيف سيكون استقبال المتهم لمثل هذا التعذيـ..ـب دون الدفاع عن نفسه حتى!

الشخصية الأساسية هنا -حسب ما فهمت- هو الضابط اللي بينفذ الحكم على المتهمين، رأيته شخصية سـ.ـادية، يعشق ويتلذذ بالتعـ..ـذيب لدرجة غريبة، لا أعتقد أنه يندم على نه يفكر حتى في تعـ.ـذيب الآخرين، يظهر هنا ❞ هل من الصحيح أن يتم ترك مثل هذا التراث -"وأشار إلى الآلة"- لينهار؟ هل يمكن للمرء أن يبقى صامتًا ويسمح بهذا الدمار أن يحدث؟ ❝ هو لا يحبذ أن تلغى فكرة التعـ.ـذيب بالآلة أو حتى إلغاء استخدامها.

نهاية العمل هو ما أدهشني، فكرة "انقلب السحر على الساحر" التي حدثت غيّرت من مشاعري، ولكن إن نظرنا لفكر الضابط من بداية الأحداث نجد إن رد فعله على رفض المستكشف لما أراد، أحس أنه منبوذ أو أن النظام الذي ورثه من فائده القديم على الصواب وأن المستكشف لا يرى ما يراه الضابط، فرد فعله كان ليثبت أن هذا النظام للعدالة وهو قادر أن يطبقه على نفسه لأنه أصبح عابد للنظام وتقليد قائده، أصبح أيضًا منقاد حتى بعد مـ..ـوت قائده

في النهاية، هذه أول قراءة لي في روايات فرانز كافكا ولن تكن الأخيرة، بداية قوية بالنسبة لي وهي العامل الذي سيجذبني للمزيد في هذا العالم السودوي الذي يحمل الكثير.