مراجعة رواية: "قريبًا سيحلّ الظلام"
تأليف: خالد أمين
النوع الأدبي: رعب نفسي – غموض رهيب
في أولى تجاربي مع الكاتب خالد أمين، وقعت بين يدي رواية غير تقليدية، تدعو القارئ إلى التركيز والانتباه؛ فهي مكتوبة بصوت الراوي المتكلم، بلغة عربية فصيحة متقنة، تخلو من العامية، وتتميّز بدقة في رسم ملامح الشخصيات، وردود أفعالها، وتفاعلاتها النفسية، حتى مع الشخصيات الثانوية (الكومبارس). كل ذلك بأسلوب فني محكم، يجمع بين السرد الأدبي المشوّق والحوار المحكم.
شخصية "جادو"، الاسم المستعار والبطل الغامض، تُعدّ محور الرعب في الرواية. جادو مختل عقليًا ومريض نفسيًا، يتغذى على شهوته وحبّه المريض للنساء لإرضاء غروره، ليقتل في الخفاء دون رحمة. هو مهووس بكل النساء، ينسج في عقله مشاهد متخيلة وسيناريوهات وهمية تُرهب مَن حوله، في زمن تتسلل فيه الرعب عبر شاشات التواصل الاجتماعي.
ومن أبرز ما يميّز الرواية: نجح الكاتب في توظيف الراوي المتكلم بأسلوب يشبه تسريب "مذكرات" على مواقع التواصل، مما يضفي طابعًا واقعيًا صادمًا، خاصة وأن هناك راوٍ آخر في الرواية هو "عامر عمران" – رجل ثري مصاب بمرض عضال، يشعر بالوحدة، فيقرّر تشكيل فريق دعم للقضاء على القاتل المتسلسل "جادو"، ساعيًا لترك أثر طيب قبل رحيله.
شخصيات أخرى أضافت عمقًا نفسيًا مميزًا:
سليم: كاتب روائي يعاني من الأرق، يكتشف قدرته على تغيير الواقع عبر الكتابة بعد استيقاظه من غيبوبة طويلة. يعاني من هواجس أدبية، ويترافق في ذهنه طيف الكاتب "إدغار آلان بو"، في صراع داخلي حول فكرة كتابة رواية جديدة.
رودينا: ممثلة لديها قدرة على قراءة الأفكار، عانت كثيرًا بسبب ما تراه في عقول من حولها.
ناردين الصبّاغ: كاتبة رعب ومحللة نفسية، ذات خيال واسع، تمتلك عقلًا فريدًا وموهبة استثنائية، تختلف عن الجميع.
المحقق صلاح: يلعب الشطرنج وحيدًا بعد وفاة شقيقته، ويُخفي مشاعره تجاه ناردين الصباغ، وسط شائعات عن علاقة حب بينهما. أما "آدم"، فيقول إن صلاح نقطة ضعفه هي ناردين.
حاتم: رجل سُلبت منه سعادته على يد "جادو" و"آدم"، بعدما كانت حياته طبيعية ومستقرة، فتحوّل إلى الهلاك بعد زواجه.
تدور أحداث الرواية داخل قصر، يجتمع فيه أبطال القصة بأحلام مشتركة، وتتشابك الشخصيات في زوايا مختلفة، كلٌّ يحمل ماضيه وصراعه.
نجح الكاتب في تسليط الضوء على النفاق الاجتماعي في زمن "التريند"، بأسلوب فني ساخر وعميق، من خلال التعليقات والمشاركات على منشورات تتحدّث عن "جادو"، وكأنه شبح يُرعب المجتمع بأسره. وقد استعان الكاتب ببعض الشخصيات المستوحاة من أفلام شهيرة، مما أضاف بعدًا بصريًا وخيالًا سينمائيًا للرواية، وأبرز جودة السرد.
ما يميّز الرواية أيضًا:
عنصر الرعب النفسي حقيقي ومتصاعد.
الغموض محكم والصدمة مقصودة.
السرد خالٍ من الأخطاء التفصيلية، مما يدل على اجتهاد واضح من الكاتب.
شعرتُ وكأنني أقرأ رواية أجنبية مترجمة، رغم أنها مستوحاة من واقعنا، وأحداثها تنبض بنكهة عالمية.
العيب الوحيد الذي لاحظته كان في بعض الحوارات التي طالت بشكل زائد، فتكوّنت من جمل مترابطة طويلة قد تُشتت تركيز القارئ أحيانًا، رغم أنّ السرد بقي مشوقًا ومترابطًا بشكل عام.
خلاصة القول: رواية "قريبًا سيحلّ الظلام" عمل أدبي يستحق التقدير، فهو ليس مجرّد قصة رعب، بل مرآة حقيقية للنفاق الإنساني في زمن السوشيال ميديا. جادو، رغم فظاعته، يُعدّ إسقاطًا فنيًا بارعًا على شخصيات مثل "الجوكر"، وما يمثله من خلل في العالم من حولنا.
أنصح بها كل محب لأدب الرعب النفسي والاجتماعي، مع ملاحظة أنه من الأفضل قراءة بعض أعمال خالد أمين السابقة قبل خوض هذه التجربة، لفهم أعمق لعوالمه الأدبية وتطوره الفكري.