يموت عبد اللطيف ويترك وصيته الأخيرة لأكبر أبناءه بلبل (نبيل)... أمر روتيني يقع كل يوم في هذه الدنيا ولطالما كان هناك حياة فسيلازمها الموت. لكن أضف على القصة أنها حدثت في سوريا في زمن الحرب وبالتحديد بعد 4 سنوات من اندلاع الثورة، ثم أضف أن وصية الأب هو أن يدفن قرب شقيقته في مسقط رأسه التي تقع خارج سيطرة النظام وتحت سيطرة المعارضين. تفاصيل قليلة تحول الحدث من أمر روتيني إلى قصة مليئة بالوجع والمخاطرة والآلام.

سرد لنا الروائي خالد خليفة في عمله هنا قصة عن مشقة الوقوع في فخ الموت في زمكان يكون الموت هو الغلاف الجاثم على كل تفاصيل الحياة. الأخوة بلبل وحسين وفاطمة في رحلتهم لتنفيذ وصية والدهم الميت يفقدون من حياتهم مالا يمكن تعويضه وحتى جسد أبيهم الميت لا يتوقف عن خسارة نفسه أثناء الرحلة المرعبة التي يقطعونها. البشر عندما يحيون تحت ظل الموت يتحولون في نظر بعضهم إلى لا شيء وربما أسوء من ذلك بأن يتحولوا إلى مجرد أرقام وبيانات محفوظة في سجلات صماء. ما هي قيمة اسم ومعلومات انسان مسجلة في سجل؟

الرواية يسيطر على سردها الراوي العليم وبالرغم من وجود تفاعل كبير بين شخوص الرواية إلا أن حواراتهم ليست منطوقة إلا فيما ندر، بل يشرحها لنا الراوي. في وجهة نظري زاد هذا الأسلوب من تجريد الشخصيات من انسانيتها تحت مناخ الموت والحرب المسيطر على المشهد وكأننا نشارك بقراءتنا في اخراس ضحايا هذه الحرب وسلب الجميع من حتى أصواتهم.

استمعت للرواية صوتياً بأداء كريم مسعد الرائع لغوياً ودرامياً على تطبيق ستوريتل. كان مصادفة غريبة أنني استمعت إلى الدقائق الأخيرة من الرواية في يوم الأحد 8 ديسمبر 2024 وهو نفس اليوم الذي تم اعلان سقوط نظام بشار الأسد في سوريا.