مثلما أبدع تولستوي في تقمص شخصية المرأة في "آنا كارنينا"، نجح هنا بامتياز في تجسيد شخصية كاتيا. جاء السرد مشبعًا بمشاعر أنثوية دقيقة ومقنعة، حيث استطاع أن يرسم بمهارة مشاعر المرأة منذ مرحلة المراهقة الأولى، مرورًا بالتعلق العاطفي والحب، وصولًا إلى الزواج. يضع تولستوي هذه الأحداث ضمن متوالية حياتية مألوفة، لكنها لا تخلو من عمق إنساني مؤثر.

ثم يظهر تأثير الثقافة الروسية بقوة على تطور الأحداث، حيث نلمس صراع كاتيا الداخلي بعد انتقالها من بساطة الريف وهدوئه إلى حياة المدينة الصاخبة وأضواء المجتمع الراقي. يجد القارئ نفسه متورطًا في أجواء الصراع النفسي، إذ تتحول كاتيا تدريجيًا إلى شخصية مختلفة، ممزقة بين مكانتها الاجتماعية العالية وتدهور علاقتها بزوجها الذي يشعر بأنها تتسلل من بين يديه، مستسلمة لتيارات الحياة دون مقاومة.

يتجلى إبداع تولستوي أيضًا في تصوير العلاقة المتوترة بين الزوجين، حتى مع إنجاب طفلين، حيث يعرض بدقة مذهلة كل تعقيدات المشاعر الأنثوية المرتبطة بالحب، الأمومة، والاغتراب. الرواية القصيرة تحمل طابعًا إنسانيًا عميقًا وتذكّرنا بأسلوب الكاتب العبقري استيفان زفايج، الذي تميز بقدرته الفريدة على استكشاف دواخل النفس البشرية.

رواية تستحق القراءة والتأمل، تُبرز عبقرية تولستوي في استكشاف الأنوثة بكل أبعادها وتعقيداتها.