بعض العرب يكتب مذكراته الشخصية على طريقة، اذكروا محاسن سيرتكم. يغض الطرف عن المساوئ والاخطاء، والمواقف التي يستحي منها. والغض كلمة أصلها اسم غض، وهو مذكر، ولعل الكاتبة هدى الغصن تجنبت غض الطرف امعانا في رفضها لهيمنة الرجل على مفاصل حياة الانثى . لكن هدى الغصن كتبت سيرتها الشخصية بمنهج متصالح مع النفس وشجاع . وهي نقلت تجربة امرأة تعمل في مجتمع لم يعترف بدور المرأة الا قبل بضع سنوات، ودخلت في تنافس مع رجال تربوا على ثقافة اجتماعية حددت للمرأة مجالا ضيقا في حركة المجتمع. وربما يرى البعض انها رسمت صورة نمطية غير حقيقية عن حال المرأة في المجتمع السعودي في تلك المرحلة، لكن الواقع ان النص كان صريحا بطريقة غير مسبوقة، ولهذا سيكون معرضا لهذا النوع من الاتهام وأكثر.

كتاب " كيان مطلق " اشبه برواية ممتعة. لكن السرد يفتقد تدفقه وحلاوته، أحيانا، عندما تتناول الكاتبة شرح تفاصيل خطط عمل وبرامج عملها في شركة " أرامكو"، على الرغم من الفائدة التي يحتويها ذلك السرد الثقيل.

نجحت هدى الغصن في تصوير ابطال روايتها. وكتبت برقي عن زوجها السابق، والرجال الذين كانوا مشاريع زواج محتمل. وهي تحولت الى فيلسوفة في بعض مراحل سردها، واستطاعت، غالبا، ان تكون مقنعة في موقفها، وهي تصف موقف الرجل من تمكين المرأة في مواقع العمل، فضلا عن انها كشفت، دون مواربة، عن استشراق بعض الغربيين تجاه تدرج المواطن السعودي في الوظائف القيادية في أرامكو ، وعلى نحو يؤكد استقلاليتها ورفضها للتمييز أيا كان نوعه ومصدره .

نقلت سيرة الكاتبة رحابة وترابط وجمال اسرتها ، وعلى نحو اكد ان هذه الاسرة حرية ان تنجب فتاة تصل الى هذه المكانة والنبوغ . وفازت أمها ببطولة الحكاية. كانت والدتها " شاهة الدغيثر" سيدة عراقية المولد ونجدية الأصول تثير الدهشة والاعجاب، وكل من يقرأ الكتاب سيشعر انها امه، وسيذرف الدموع عند رحيلها. هدى الغصن صورت ابيها كفارس عربي ملثم. وصفت دوره ومكانته من دون ان تروي حكايته بالتفصيل، على الرغم ان والدها يذكرنا، في بعض ملامحه، بحكاية السيد أحمد عبد الجواد، بطل ثلاثية نجيب محفوظ. محمد ناصر الغصن بطل يستحق ان تكتب سيرته.

يصعب وصف جمال سيرة هدى الغصن في تعليق قصير، لكن أحببت اعبر عن اعجابي بهذا الكتاب، وارشحه للقراءة، وسوف اكتب عنه لاحقا على حسابي في اكس.

alshiriandawood@

داود الشريان