مثلث الموت لأى مجتمع له ثلاثة أضلاع: الفقر ، الجهل والمرض. هذه الرواية اختارت ضلع الفقر. هى رواية عن الفقر والمهمشين ومن لا يملكون الحد الأدنى من العيش الكريم.

هناك معادلة تقول عندما يسود الفقر - خاصة المدقع - تتآكل الأخلاق وتنهار القيم الدينية. كلام سليم جداً اتفق معه كما استعرضت أحداث الرواية.

اختار الكاتب منطقة ( المكس ) فى الأسكندرية كمكان لأحداث الرواية. منطقة غارقة فى الفقر وشظف العيش. شَح الرزق وانتشرت كل الآفات التى تنشط فى بيئة الفقر. البلطجة ، الاتجار فى المُكيفات بكل أنواعها ، النخاسة بشكلها الحديث المتمثل فى زواج الفتيات الصغيرات لمن يدفع بمجرد بلوغهن ، تفشي المتاجرة بالدين واستحلال الموبقات بفتاوى على كيف ومزاج من يطلبها .... الخ كل هذه الآفات.

مريم هى الفتاة التى تدور حولها أحداث الرواية. نتعرف فيها على ظروف نشأتها التى لا يمكن بأى حال من الأحوال أن تؤدى إلى نتائج مبهرة. أب هجرها هى وأمها بحثاً عن الوهم فى الجانب الأخر من الشاطىء ، الأم بالطبع تضطر للعمل فى أقدم مهنة فى التاريخ لتكفل لطفلتها لقمة فى نهاية اليوم وينتهى الأمر بموت الأم.

طبعاً ما هو مصير فتاة فى هذه البيئة ؟ لا يوجد العديد من الاختيارات. هى الطرف الضعيف فى المعادلة وعليها أن تدفع الثمن بالطبع. هى اللقمة السائغة لكل من حولها والتى يرغب الجميع فى الفوز بها مهما ارتدوا ثياب الحملان.

تميز الكاتب فى نقطتين:

- السرد كان جميل والانتقال بين أحداث الحاضر والماضى ولمحات من مستقبل خيالى لمريم - اذا كانت فى ظروف أخرى - كان يتم بسلاسة ونعومة.

- النقطة الثانية كانت جرأته خصوصاً فيما يتعلق بنقطة المتاجرة بالدين ممثلة فى الشيخ ( جبريل ) - أكثر شخصية اعجبتنى فى الرواية - المزيف قلباً وقالباً والحقيقى جداً فى مجتمعاتنا ونراه حولنا يومياً.

هناك بالطبع - من وجهة نظرى كقارىء على الله حكايته - تأثر كبير بمدرسة كُتاب معروفين. هناك لمحات من أسلوب دكتور علاء الأسواني ولمحات من أسلوب العراب - رواية السنجة بالتحديد - وهذا التأثر طبيعى كبداية لتقديم رواية أدبية.

نهاية الرواية طبيعية لمن هى فى مكان مريم ولا مفاجأت.

هناك بعض الملاحظات التى لفتت نظرى:

- الجرأة فى المشاهد ليست مشكلة بالنسبة لى على الإطلاق لكنى لم أجد محل للإعراب لمشهد نوران ومريم. فى رأيي هو مشهد مُقحم لزيادة جرعة الجرأة وفقط ولم يكن ليؤثر على أحداث الرواية لو تم حذفه.

- أيضا قصة والد مريم لم تكن تحتاج لكل هذا التفصيل وتخصيص فصل خاص به لأنى اعتبره شخصيه ثانوية وكان من الممكن تلخيص ما حدث له ولماذا تركها هى وأمها فى الفصل الخاص بوالدة مريم وكفى.

- قام الكاتب بإضافة نهاية فلسفية بعد نهاية الأحداث. شخصياً لم أجد لها داع لأن الجزء الفلسفي كان ضمنياً وسط أحداث الرواية. سأعتبرها bonus 😅😅.

عموما كتجربة أولى فى عالم الروايات ، الرواية لا بأس بها على الإطلاق وتستحق القراءة لكن كما أقول دائماً فإن رواية أولى ليست كافية للحكم على أى كاتب ويحتاج الأمر إلى قراءة أعمال أخرى للكاتب مستقبلاً ان شاء الله.