تتنوع القصص القصيرة في مدى قصرها لكنها تتفق جميعها في دقة التكثيف ومدى تمكن الكاتب من أدواته في اختصار المعاني بشكل غير مخل للمعنى بل والتعبير عنها بوجاهة وامتاع وفي هذا الكتاب الصغير الكثير من المعاني المكثفة بتنوع مشوق وتفنيد ظريف.
طالما كان للانسان صوت وتعبير عن ما يعتمل في صدره حتى الصمت يعتبر لغة تعبيرية لكن كيف الحال اذا تحولت طريقة رسم اللوحات بمنهج الطبيعة الصامتة إلي طبيعة متكلمة او بالأحرى جماد متحدث لبق يخلق دراما حية في عدة سطور او ربما كلمات معدودة بكل بساطة .
قرأت من قبل لعبدالله ناصر ولمي حمزة عن أشياء وجمادات تتكلم لكن هنا الوضع مختلف في سياقات الاحداث والزاوية التي ينظر منها الكاتب والاشياء التي اختار أن يجري الحديث على لسانها في رواية موقف معين ،في نفورها من صفة كريهة عند أحد مستخدميها أو تأففها من صمت جارها ..هنا يصبح للجماد رأي آخر .
حجم الكتاب صغير جدا إذا جربت ان تقرؤه لمجرد القراءة أو فر الصفحات لكن دعني اتوقف معك عند كل قصة أو موقف سيجعلك تتذكر متى استخدمت قلمك ولم يرغب في كتابة ما تخط..كم مرة أغلقت باب غرفتك بقوة تعبيرا عن غضبك لكن هل فكرت في غضب الباب منك ومن سوء معاملتك له ؟ بعد هذا الكتاب غالباً ستفكر .
كتاب بسيط في فكرته عميق في تأثيره وفي مدى الحالات التى يجبرك على التفاعل معاها بشكل سهل وكأن بكل صفحة فخ تقع فيه بمحض إرادتك ولكن الكلمات هى من نصبت لك الشراك أنت في حضرة بداية وعقدة ونهاية في سطر وفي بعض القصص أقل ..سرعة خاطفة في إطلاق رصاص الدراما ثم يتركك للابتسامة مرة وللدمعة مرات .
أعجبني الغلاف وعلاماته وتعبيره عن محتوي الكتاب في بعض الأحيان قابل للكسر وفي الأخرى هدية وفي الثالثة يجب حمله من جانب معين حتى تحافظ عليه ..كذلك كل الاشياء التي تقابلها في حياتك توقف للحظة وفكر من الاتجاه المعاكس ربما الاشياء لا تنطق وتعترض لكن البشر يفعلون ..هكذا رأيته ..ابهذا الحد من الهشاشة نحن؟
أحبتت طريقة الكاتب واستمتعت جدا بالكتاب وبالتأكيد سأعاود قراءة الكتاب أكثر من مرة واضعه في مصاف كتب القصص القصيرة التي كلما ضاقت بي صفحات الروايات إلتجأت لها كي تغير هواء الرحلة وتعطر نسيمها بموقف يكسر رتابة الكتب وفي بعض الاوقات سخافة الحياة ..لمثل هذه الحالة التي يضعك في هذا الكتاب واشباهه نقرأ.