"لم يتدخل الأمن كعادته في مثل تلك الأحوال، ولملم الموضوع في جلسة عرفية. هرب فريد خوفاً من القتل (…) وتركت (أمه) منزلها المحروق، ونواحي البطرخانة التي لم تستر جسدها، وابتلعها الرحيل." - رواية نواحي البطرخانة لابن المنيا مينا عادل جيّد 🇪🇬

بعفوية شديدة يبرز مينا عادل ما يعنيه أن تولد قبطياً وتترعرع في مجتمع يشكل فيه الأقباط الأقلية، وقد أحسن اختيار صوت الصبي كبطل لسردياته، إذ ليس على الصغير حرج، كما أنه ليس على ملاحظاته حساب. ومن خلال هذا الصوت الحُر، يطرح مينا عادل تساؤلات مباشرة عن الاختلاف وطبيعة (عدم) المساواة، إلا أن القيمة الحقيقية تكمن في الأسئلة التي لا يسوقها مباشرة، بل يجبرنا على استحضارها بشأن المواطنة والانتماء والمرجعيات التي تحكم المجتمع بأسره.

فصول هذا الكتاب سلسة وممتعة، تظهر من خلالها موهبة مينا كحكّاء قوي الملاحظة، ساخر، ولاذع حين الحاجة، متناولاً قضايا شديدة الحساسية بتلقائية شعبية وبدون تكلف. يقدم لنا مينا من خلال هذا العمل إطلالة ثرية ومعاصرة على ممارسات اجتماعية وشعائر دينية وحواجز طائفية وموروثات ثقافية تشكل جزءًا من نسيج مجتمع الصعيد يكاد أن يكون غائب كُلية عن وعي أغلب المصريين، دون الحاجة إلى ارتقاء صهوة جواد الرواية التاريخية التي صارت مدخل الكثيرين إلى أرفف "الأكثر مبيعاً".

أعتقد أني بصدد قراءة المزيد من أعمال مينا عادل، إذ ينطلق من مساحة شديدة الخصوصية نحو فضاءات عامة بطبيعتها، ضارباً توازناً لا يُخل بالسرد ولا يُرسّخ لمانيفستو مستهلك.