عهد دميانة > مراجعات رواية عهد دميانة > مراجعة Sylvia Samaan

عهد دميانة - أسامة عبد الرءوف الشاذلي
تحميل الكتاب

عهد دميانة

تأليف (تأليف) 4.6
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

ما بين صعيد مصر والفسطاط!

رغم ما تصدر الرواية من عنوان زين غلافها وقد حمل اسم عهد دميانة، إلا أن دميانة لم تكن بطلة الرواية بقدر ما كانت القلاقل، والاضطرابات والانقلابات التي حدثت في مصر في أواخر عهد دولة الفاطميين هي البطل الذي بزغت فيه كل القصص سواء الحب أو الخيانة.

وفي ظلها تمسك أشخاص بإيمانهم وتملك التيه من البعض،

والبغض من آخرون

وكما كان الحب ينضج القلوب ويصقلها مع البعض، كان يفتك بحياة البعض الآخر ويقودهم نحو الهلاك.

في الرواية نشهد حياة المسيحيين في ظل هجمات العربان فنقف شهودًا على اختطاف ورد لبيعها في سوق النخاسة ليحيا باقي أسرتها على أمل أن تحفظ عهدها ببقاءها على إيمانها كما اوصوها حتى لو أُجبرت على خلع قلادتها التي تحمل صليبًا من المعدن نُقش عليه أربعة حروف تعني اسمها بالقبطية، فتحمل إيمانها في قلبها.

ونشهد ظلم واحتدام سياط السلطة نحو مينا الشقي العجوز الذي بذل ظهره للسياط حين تشبه بالشهيد يوحنا المعمدان حين ارتفع صوته بقول الحق، واحتمل الذل والهوان في يومه الأخير، مينا الذي تظنه غليظ القلب وقد أبى على نفسه طيلة حياته منذ قدوم العرب أن ينخرط سياسيًا فهو لا يبغي الشهرة، وحتى دينيًا لم يكن مداومًا على حضور الكنيسة إلا في الأعياد، وحين علا صوته بالحق نهشته السياط بلا هواده ووقع صريعًا.

ولأن المعاناة طالت الشق الآخر من الوطن، لذا فنشهد حياة المسلمين الأقباط وتمزع ولاءهم بين سنة وشيعة.

بدأ الروائي والطبيب أسامة الشاذلي بمشهد افتتاحي في قرية أبي حنس حيث تخبز وسن بنت مينا وهي تجلس قبالة فرن الخبز أعلى المنزل وتشق أقراص الخبز المختمرة جيدًا في حرارة الشمس وتطرحها داخل الفرن لتنضجها نيرانه وتخرج بمطرحتها الخبز الذي نضج؛ لتحفظه بِسَلة من الخوص وحين تنادي على الصغيرة دميانة لتأتي لها برشفة ماء تقلل من حرارتها التي تشعر بها جراء حرارة الفرن

حامية الوطيس، فيختلج صدرها حين ترد إلى مسامعها صرخة الصغيرة لتهبط فزعة، فتجد جرة الماء مُلقاه أرضًا.

تهدئ من روع الصبية مم أفزعها، وتعدها أنها بدءً من الغد ستذهب إلى دروس القراءة والألحان بالكنيسة، ثم طلبها من راعي الكنيسة الأب سمعان أن تنذر دميانة للبتولية.

تجدد الحلم القديم والرغبة الأثيرة لقلبها اليافع المملوء بمحبة الله لنوال نعمة البتولية ونذر حياتها للرب وحده دون أن يشاركه بها شخص.

وبقدوم التاجر موهوب بالرسالة والصندوق إلا وتكشفت بدايات لطرق ودروب تقاطعت جميعها لترسم مصائر لم ولن تتوقعها، ما لم تكن على دراية بكم كان كلا من السياسة والدين يرسمان أو يمحيان ظلال الأشخاص ومصائرهم في تلك الحقبة التاريخية.

برع الكاتب في استعمال أدوات الكتابة من تنقل رشيق بين المدن، كما برع في تفرد الأصوات، فيستحيل أن يتشابه صوت الشيخ إبراهيم بن شنودة بصوت مينا، أو صوت وسن بصوت يوستينا، أو صوت ورد بصوت أم نصر، ولا صوت أهرمان بصوت عنبر الريفي، فقد برع الكاتب في أن يجعل القارئ يرسم في ذهنه صورة الشخصية وصوتها وطريقة تحدثها بل حتى تصور أفكاره.

فمن ذا الذي لم يشعر بالحنق من بطرس وأفكاره ولم يشعر بالشفقة على يوسف وقلبه أو يتلوع بالوعة يوستينا أو يشعر بدفء قلب وسن أو حنان الشيخ إبراهيم أو تخبط يوسف ومن ثم نضجه.

برع الكاتب في التحدث بلسان القبط والقفط على السواء، فاستعان بتعابير التضرع كما استعان بتعابير التشفي، بفصحى سلسة، جزلة، وخالية من التقعر والتباهي.

بدأها من أبي حنس ثم ارتحل بنا إلى قوص ومنها إلى الفسطاط والقطائع، فحلوان، حتى أنه أبحر بنا غربًا نحو طرسوس لنتشمم رائحة الحنوط الممزوج بزبد البحر مع يوستينا وهي على الشاطئ تحدق نحو البحر فأجد نفسي أتشممه معها، لم يكن من البحر حينها بل من صحن زجاجي يعلو المنضدة الجانبية لفراشي وكان الصحن يزخر بشمع ينضح برائحة الحنوط، كنت قد ابتعته من أحد أديرة وادي النطرون العامرة، فكنت أشعر بالحري أني اتلصص على يوستينا في إحدى شواطئ طرسوس.

لم يكفه التنقل بين المدن فحل بنا في قصور وسجون وأديرة وأزقة وأحياء وساحات اتصفت بالزحام.

حمل عهد دميانة الذي خطه يوسف قبل شعوره بدنو أجله حيث شعر أنه محاط بالمخاطر، وتتوجه نحوه السهام، بكل ما اختبره يوسف طيلة حياته من خبرات شكلت تكوينه وأفكاره، ميزت تيهه، عهد حمل أفكاره وجوهره.

إليكم البعض مم أعجبني وهو قدر يسير مقارنة بما أعجبني بالفعل وإلا فسوف أنقلها كلها من جديد!

❞ عجيبٌ أمر الدنيا، حينما تأخذ، وحينما تمنح بغير ترتيب ولا تدبير. ❝

❞ قول الحق يُحرر الإنسان، ويُحرر خيالَ الناس أيضًا، فيصنعون الأمجاد لمن ينطق به حين تخرس الألسنة، ولكنهم يصنعونها عادةً بعد أن يصمت إلى الأبَد! ❝

❞ يتبدل اللسان ويبقى الإنسان هو الإنسان، منتميًا إلى خالقه وأبيه الذي في السماء. ❝

❞ يرى الناقص اكتماله في قهر من عطف عليه. ❝

❞عجيب أمر النساء، يتحملن هموم الدنيا، وتحطمهن هموم العشق! ❝

❞إن الحياة عبثٌ لا تستحق أن تُعاش، والإنسان في هذه الحياة كخيال الظل، فهل هناك أثرٌ لخيال؟ كل المستيقنين كَذبَةٌ، واليقين الوحيد في هذه الحياة أنه لا يقين! ❝

❞ الوطنُ وثنٌ مُقدَّس تُزهَق تحت أقدامِه أرواحُ القرابين كي يستجيب، فلا يُجيب ❝

‏❞ عجيبٌ أمر البشر حينما تبتلعهم عثرات الماضي، وكأنها هوةٌ سحيقةٌ ما لها من قرار، فيأبون إلا أن يكبلوا أقدامهم فيها، وكأنما لا يرجون منها فِكاكًا. ❝

‏❞ كلنا نروم العدل، ولكننا نخطو إليه على طريقٍ من الظلم، إما أن نظلم أنفسنا، أو نظلم الآخرين. ❝

❞ عجيب أمر الشعوب حينما تُخلّد حكامها في أسطورة يتداولها الناس بمشاعر فطرية، لا يحكمها عقل ولا تصدر عن منطق. فالحقيقة غير الأسطورة، وقد تظل الحقيقة مطمورةً أحيانًا، لأن من يملكونها لا يملكون القدرة على الإفصاح عنها. ❝

❞ إن القلب يألف كلّ فقدٍ، إلا فقدان من أحبنا فخذلناه! ❝

❞ الجهل بالأمر أيسر من محاولة إخفاء معرفته. ❝

‏❞ اليقين يأتي من الإدراك، والإدراك متغيّرٌ وليس ثابتًا! فما أُدركه أنا غيرُ ما تدركينه أنتِ، فكيف يكون اليقين واحدًا لا يحتمل الخطأ؟ ❝

❞ فاليقين ليس ما ندركه بأعيننا أو بعقولنا، وإنما ما تؤمن به قلوبنا ❝

❞ لماذا نبني توقعاتنا على أُسسٍ من الرمال، فإذا انهارت، ألقينا باللوم على الآخرين، ولم نلُم أنفسنا على أننا توقعنا لها الثبات؟ ❝

❞ لم تكن تعلم أن شعور التسامح قد ينسحق أمام شعور القهر والظلم، كما أن التسامح المقرون بالضعف له مذاقٌ مريرٌ كالعلقم. ❝

‏ ❞ في أوقات المِحن تهتز القيَمُ أمامَ موجات اليأس، ثم تأتي الأفعال الصالحة من البعض كطوق نجاةٍ ليحمي تلك القيَم من الغرق. ❝

❞ حين ترتبط بعض الأماكن بذكرى لا نريد محوها، نغادرها حتى تبقى كما هي ❝

❞ وهل حياة الناس إلا جِعاب ذكريات؟ ❝

❞ وكم من الرؤوس التي تناطحت في الدنيا، ثم تجاورت في سكونٍ على أرفف خزانة سجن البنود الملحق بقصر الخلافة بعد موتها!

‏❞ فبعكس رجال القصر الذين يأتي انتقامهم سريعًا مباغتًا، يكون انتقام النساء طويلًا بطيئًا غير مُحدد النهاية. فيظلّ الأمل يداعب المسجون في النجاة، حتى يفقد عقلَه في النهاية، ويتمنى أن يُسلم رأسه طواعيةً للسيّاف. ❝

الرواية ٤٠٠ صفحة بدأتها في الأمس وانتهيت منها منذ ساعات، لم يقطعني عنها سوى ساعات النوم ومتطلبات لابد من القيام بها، ولولا ضرورتها لما تركتها حتى أنهيها.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق