من شارع بن يهودا:

تمر في ظلمة الحجرة أوهامي متشابكة كعناقيد. أنفقت عمري أخفي أشياء تافهة أحببتها في أماكن مجهولة، أخفيها لأنها كانت حانية وتحبني رغم تفاهتها، أخفيها خوفًا من الفقد والبقاء وحدي بلا وهم يؤنسني. المدهش إنني كنت من شدة حرصي عليها أخفيها ثم أنساها. أدس الأشياء الجديدة وسط القديمة الأكثر تفاهة وأنسى. أمرُّ حافيًا بأقدام عاجزة على بلاطات حجرتي الباردة، أحدق إلى الأرض، وأعد مربعات الحزن والأحلام التي انتهت صلاحيتها. تمر عيوني على كُتبي، تصطدم بسطور نَزفْتُها من قبل، ونصف كوب شاي على الطاولة. أفرك عيني وأحاول أن أتحدث إلى المُستيقظ من كائنات غرفتي، لكن الحوائط تتباعد جالبة وحشة طاغية إلى قلبي. أتمدد بهمودي مطمئنًا أن طولي ما زال على مقاس الحياة المتاحة. في اللحظة التي يتوقف فيها الراديو عن بث سولو مجهول للكمان من إذاعة البرنامج الموسيقي، وقاب سنتيمرات من فرجة بالباب يتسلل منها اليأس، أعثر على شيء قديم تافه كنت قد خبأته ليوم الفقد، أفرح كطفل بالوهم العائد بعد غياب. أكتشف أن ما مَرَّ من عمري كان محض سباق بين الأشياء التافهة الطيبة واليأس المتربص من فرجة الباب.