"مريض المسالك البولية لا بد من أن يغير علاقته بأعضائه منذ اليوم الأول. تنتفي الخصوصية والسرية تماماً، وتصبح الأعضاء مكشوفة لأعين كثيرة. أعين الأطباء أولاً، ثم أعين الممرضات، وأخيراً بعض المرضى المتلصصين." - كلبي الهرِم…كلبي الحبيب للراحل أسامة الدناصوري

لا أتذكر متى كانت آخر مرة أبكاني فيها كتاب، إلا أني أتذكر جيداً آخر مرة عانيت فيها من آلام مبرحة، تضاءلت ذكراها شيئًا فشيئا بينما أعبر من صحفة إلى أخرى في طريق أحزان الدناصوري، الشاعر الذي ترك لنا سفر الرحيل في عمل جعلنى أستحضر في كل مقطع عبارة جبران خليل الخالدة: "ليس من يكتب بالحبر كمن يكتب بدم القلب".

يروي الدناصوري بتلقائية شديدة تفاصيل مرضه ورحلته مع الفشل الكلوي الذي انتهك جميع حرمات حياته واحدة تلو الأخرى، إلى أن أتى على حياته ذاتها.

لم يلجأ الدناصوري للفرار الملازم عادة للعجز، بل سلط ضوء العالم بأسره عبر عدسة النَّص على مشوار حياته الذي صار مرادفاً لمحنة سيسيفوس، إذ قضى عمره يدفع صخرة المعاناة أعلى الجبل، ثم ينتكس ويبدأ من جديد. لم يقبل الدناصوري أن يهرب كحيوان طريد، وإنما اختار أن يصف لنا جلاده.

ولعل قدرة الدناصوري على استحضار تفاصيل حميمية تشمل طرائف ونكات ومواقف غاية في الحرج وعلاقات غاية في التعقيد هي عين أسلوبه في التمسك بأهداب حياة تسربت من بين أصابعه، فاختار لها أن تكون مداداً على دفاتر أطراحه. عرفت الدناصوري للمرة الأولى من خلال كتابات العزيز الصحفي والكاتب حسن عبد المجيد وترشيحات بعض الصديقات، وها أنا أوثق علاقتي به من خلال هذا النّص.

#Camel_bookreviews